recent
أخبار ساخنة

ما هي مصادر المشروعية الإدارية؟

مصادر المشروعية الإدارية:

يستنبط مبدأ المشروعية الإدارية أحكامه وقواعده من مصادر متنوعة ومتعددة، تنقسم إلى مصادر مكتوبة ومصادر غير مكتوبة، وفي مايلي سوف نقوم بتبيان أهم المصادر المكتوبة التي تشكل أساس قانوني للمشروعية الإدارية، ثم إظهار المصادر غير المكتوبة التي تجسد المشروعية الإدارية.

1. مصادر المشروعية المكتوبة:

ما هي مصادر المشروعية الإدارية؟
يقصد بالمصادر المكتوبة مجموعات مدونة تحتوي على قواعد قانونية ملزمة تتفاوت في درجة قوتها القانونية، وتتمثل هذه المصادر المكتوبة في الدستور (أولا)، المعاهدات الدولية (ثانيا)، التشريعات العادية (ثالثا)، والتنظيمات (رابعا).

أولا. الدستور (التشريع الأساسي):

تشكل القواعد الدستورية القانون الأعلى أو الأسمى في الدولة، ذلك أنها تتعلق بنظام الحكم في الدولة، فهي التي تحدد شكل نظام الحكم في الدولة، وتبين السلطات الأساسية في الدولة (تشريعية تنفيذية وقضائية)، وكذلك كيفية مباشرة كل من هذه السلطات لإختصاصاتها وعلاقة كل منها بالأخرى، كما تبين حقوق الأفراد وحرياتهم، وهي موضوعة من قبل السلطة التأسيسية. 

ولهذا فهي تمثل الإطار القانوني العام الذي تدور أو يجب أن تدور في فلكه جميع أوجه النشاط القانوني في الدولة، مما يجعل لها مكان الصدارة على سائر القواعد القانونية الأخرى، وما دام الدستور هو الذي أوجد السلطات الأساسية للدولة، وهو الذي يحدد إختصاصاتها فليس لأي منها أن تخرج عليه، حيث أنها تستمد وجودها منه وشرعيتها من نصوصه. 

وبالتالي تعد نصوص الدستور الأساس لكل قاعدة قانونية تليها في المرتبة بما يحقق الإنسجام في البناء القانوني للدولة، بمعنى لا بد أن يتقيّد التشريع الأدنى بالتشريع الأعلى ولا يجوز أن يتعارض القانون مع القواعد الدستورية، بحيث إذا ما خالفت قاعدة ما الحدود التي رسمها الدستور كانت مخالفة لمبدأ المشروعية.

لقد تم تأكيد مبدأ المشروعية في صلب الدستور الجزائري حيث نصت المادة 158 منه على "أساس القضاء مبادئ الشرعية والمساواة"، كما أكدت المادة 161 من الدستور على أن "ينظر القضاء في الطعن في قرارات السلطات الإدارية"، وهكذا يصبح من الواجب على جميع السلطات في الدولة ضرورة الإلتزام والتقيّد بقواعد الدستور، ومن ثم عدم الخروج على ما تقرره من أحكام وذلك فيما تباشره من مهام وإختصاصات ومعنى ذلك أنه يجب على السلطة التشريعية أن تتقيّد بها فيما تصدره من تشريعات. 

وٕإلا عدّت هذه الأعمال وتلك التصرفات غير مشروعة؛ ولقد ثار الخلاف في الفقه بشأن القيمة القانونية لديباجة الدستور والتي تحتل مقدمة الدستور وتأتي قبل إستعراض مواد الدستور بصفة تفصيلية، والتي غالبا ما تحتوي على الإيديولوجيات والفلسفات التي يتبناها الدستور والغايات والطموحات التي يستهدف تحقيقها فذهب رأي من الفقه إلى إعتبار أن الأحكام التي جاءت بها مقدمات الدساتير لا تعتبر قواعد قانونية ملزمة وٕإنما هي بمثابة مبادئ عامة ذات قيمة سياسية أو فلسفية بحتة.

وهناك جانب أخر من الفقه ذهب إلى إعتبار مقدمة الدستور لها قيمة قانونية تعلو على النصوص الدستورية ذاتها، إنطلاقا من أنها تعد تعبير عن الإرادة العليا للأمة تحتوي على المبادئ الأساسية والأهداف العامة وترسم الإطار العام للنظام السياسي والإقتصادي والإجتماعي للدولة. 

في حين ذهب جانب أخر من الفقه إلى إعتبار مقدمة الدستور تأخذ نفس القوة القانونية التي تتمتع بها النصوص الدستورية، إنطلاقا من أنها تعبر عن إرادة السلطة التأسيسية ومن ثم فإن للديباجة من قدسية وحصانة ما تتمتع به النصوص الدستورية، ومن هذا المنظور فإن لديباجة الدستور نفس القيمة القانونية لنصوصه، حيث لا يمكن فصلها عن القواعد الموضوعية فهي جزء أساسي في الوثيقة الدستورية وتتمتع بذات الحجية.

ثانيا. المعاهدات الدولية:

تعتبر المعاهدات الدولية مصدرا لمبدأ المشروعية الإدارية وهذا بعد أن يتم التصديق عليها من جانب السلطة المختصة داخل الدولة، وفور التصديق عليها تصبح المعاهدة جزءا من التشريع الداخلي، بل إن بعض الدساتير كالدستور الجزائري يعترف لها بطابع السمو على القانون، وهو ما أقرت عليه المادة 150 من الدستور والتي جاء نصها كما يلي: "المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية، حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور، تسمو على القانون".

إن سمو المعاهدة الدولية على القانون تجعل سلطات الدولة ملزمة بالتقيّد والإلتزام بأحكامها عند القيام بإختصاصاتها، وإلا إتسمت بعدم المشروعية، وأصبحت بهذه المثابة المشروعية محلا للطعن أمام الجهة المختصة بتصحيح الوضع الخاطئ، ومن ثم حماية مبدأ المشروعية؛ وعليه فإن بعد عملية التصديق ونشر المعاهدة الدولية في الجريدة الرسمية، يلتزم القاضي الإداري بتطبيق نصوصها، بحيث يمكن إعتبار قرارات الإدارة المخالفة للمعاهدة الدولية عملا غير مشروعا، لأن المعاهدة الدولية في هذه الحالة لها قوة القانون بل تعد أسمى منه.

ثالثا. التشريعات العادية:

التشريعات العادية هي التي تقوم بوضعها السلطة صاحبة الإختصاص الأصيل في ممارسة الوظيفة التشريعية، وذلك في حدود إختصاصها وطبقا للإجراءات التشريعية المنصوص عليها، ويقصد بالتشريع في هذا المجال مجموعة القواعد القانونية التي تقررها السلطة المختصة بالتشريع في الدولة وفقا لأحكام الدستور، وتهدف تلك القواعد في الغالب إلى بيان تحديد الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية في الدولة.

ولهذا فإنه يجب علي الإدارة أيضا أن تحترم وتلتزم بالحدود المرسومة لها في النصوص الدستورية تحت طائلة مسؤولية خرقها لمبدأ المشروعية، وهذه القواعد تأتي في المرتبة التالية للقواعد الدستورية، ويقع على عاتق الحكام والمحكومين الخضوع لها والتقيّد بأحكامها، فهي إذًا قواعد عامة وشاملة في إلزامها لمختلف الهيئات العامة والخاصة والأفراد، وبالتالي يمكن تحقيق العدل وإستقرار النظام وسيادة مبدأ المشروعية في الدولة. 

وتشمل التشريعات العادية كل من القوانين الصادرة من البرلمان صاحب الحق الأصلي في المجالات التي خولها له الدستور، وكذا الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية، وفي إطار الحفاظ على مبدأ المشروعية، يجب على الإدارة العامة في مختلف مستوياتها أن تلتزم بما تضعه السلطة التشريعية من قوانين في المجالات التي يخولها إياها الدستور، وحتى تتقيد الإدارة العامة بالقوانين يجب أن تكون تلك القوانين مطابقة للدستور.

فتلتزم السلطة الإدارية بما تتضمنه القوانين من قواعد وأحكام في كل من أعمال وتصرفات قانونية حتى تكون هذه الأعمال صحيحة ومشروعة، فإذا ما أصدرت الإدارة عملا من الأعمال القانونية المخالفة لحكم من أحكام القانون، فإن هذا العمل يعتبر غير مشروع ويحكم بإلغائه عند الطعن فيه أمام القضاء الإداري أو التعويض عما تحدثه من أضرار للأفراد.

رابعا. التنظيمات:

هي عبارة عن قرارات تنظيمية تتضمن قواعد عامة ومجرّدة ولا تخص مركزا بذاته، تصدر عن الجهة الإدارية المختصة وتشترك اللائحة مع القانون في أن كل منها يصدر بشكل عام ومجرّد، ويختلفان من زاوية التدرج أو الحجية، فاللوائح تحتل مكانة أدنى من التشريع العادي، وهي تنقسم إلى تنظيمات مستقلة تأخذ شكل مراسيم رئاسية وأخرى تنظيمات تنفيذية تأخذ شكل المراسيم التنفيذية.

تكتسب التنظيمات الطابع التشريعي من الناحية الموضوعية، وتكون عملا إداريا من حيث النظر إلى الجهة المصدرة لها، وهي السلطة التنفيذية، مما يجعل القرارات الإدارية التنظيمية أحد عناصر البناء القانوني للدولة، وبالتالي مصدرا من مصادر المشروعية الإدارية، حيث تأتي في المرتبة الثالثة بعد النصوص الدستورية والتشريعات البرلمانية في سلم التدرج القانوني.

الأمر الذي يجعل من واضعي النصوص التنظيمية ملزمين بالتقيّد بأحكام القواعد القانونية التي تعلوها في الدرجة من حيث الشكل والمضمون، وٕإلا أصبحت محلا للطعن أمام القضاء حماية لمبدأ المشروعية الإدارية، كما أن الإدارة ملزمة بأحكام النصوص التنظيمية الصادرة عنها، وبالتالي لا يجوز لها إصدار قرارات فردية مخالفة لها تحت طائلة عدم مشروعيتها.

وبهذا فإن التنظيمات تعمل في إطار النصوص الدستورية والتشريعات العادية وفقا لمبادئها، وٕإذا ما خالفت ذلك إتسـمت ووصفت بعدم المشروعية، وبالتالي أصبحت عرضة للمخاصمة والإلغاء من طرف الجهات المختصة والتعويض عن الأضرار التي سببتها.

2. مصادر المشروعية غير المكتوبة:

ما هي مصادر المشروعية الإدارية؟

يتخذ مبدأ المشروعية من المصادر غير المكتوبة مصدرا لقواعد المشروعية في حالة عدم وجود قواعد مكتوبة، فإلى جانب المصادر المكتوبة التي بيّناها في الفرع الأول لمبدأ المشروعية توجد مصادر غير مكتوبة، والتي تتمثل في العرف (أولا) والمبادئ العامة للقانون (ثانيا).

أولا. العرف:

يعتبر العرف من أقدم مصادر القانون بصفة عامة، فإذا كان دور العرف لم يعد يحتل كما كان في الماضي تلك الأهمية، حيث إنتشرت حاليا ظاهرة القواعد القانونية المكتوبة، إلا أنه لازال رغم ذلك يلعب دوار هاما وأساسيا في هذا الخصوص، إذ هناك قواعد عرفية دستورية وقواعد عرفية تجارية وقواعد عرفية إدارية، ومما يؤكد تلك الأهمية إعتداد القانون الوضعي به، والنص على إعتباره مصدرا منشئا للقواعد القانونية في المجتمع.

يعرف العرف بصفة عامة بأنه مجموعة القواعد الناجمة عن الإستعمال الراسخ المتأصل في مجتمع ما والواجبة الإحترام واللازمة التطبيق كالقانون فهو يشمل قاعدة حقوقية عامة ومجردة نابعة عن تعامل الناس بشكل ثابت ومطرد.

وما يهمنا في الدراسة هو العرف الإداري الذي يعبّر عن سلوك الإدارة المطرد في مسألة معينة على نحو معين فترة من الزمن بحيث تصبح الإدارة والمتعاملون معها ملزمين بإحترام القاعدة المتولدة عن ذلك السلوك، أي أنه نتيجة لسير الإدارة على نمط معين في عملها مع تكرار السير على هذه القاعدة بشكل منتظم ومستمر بما يرسخ الإعتقاد لدى الإدارة والأفراد بأنها قد أصبحت ملزمة وواجبة الإتباع.

يشترط لإعتبار العرف ملزما للإدارة أن يتوافر فيه شرطان وهما، المداومة على فعل معين من خلال الممارسة الإدارية وتفاعلها مع ظروف الواقع، أي الإعتياد وتكرار هذه الممارسة الإدارية، فإذا إتبعت إحدى الجهات الإدارية في الدولة سلوكا معينا فترة من الزمن ثم أعرضت عن إتباعه في فترة أخرى، لا نكون بصدد عرف إداري، وهذا نتيجة غياب صفة التواتر والإستمرارية، ولذا يجب أن لا ينقطع إعتياد الإدارة في إتباع سلوك معين حتى لا يؤدي ذلك إلى عدم توافر المكوّن للركن المادي للعرف.

أما الشرط الثاني فهو أن يستقر في الأذهان الإعتقاد بضرورة إحترام وتطبيق هذه القاعدة وتوقيع الجزاء بمعنى إلزامية القاعدة العرفية الإدارية، الأمر الذي يستوجب أن يكون العرف عاما وأن تطبقه الإدارة بصفة دائمة ومستمرة، وأن لا يكون العرف مخالفا لنص تشريعي نافذ، لأن القاعدة العرفية تأتي في المرتبة الثانية بعد القاعدة القانونية، ويستوي في ذلك أن تتخذ القاعدة القانونية صورة نص تشريعي أو تنظيمي أو قرار إداري أو أي نص قانوني مكتوب.

ومن هذا المنظور إذا توافر للعرف ما تقدم من شروط أصبح ملزما ووجب على الإدارة تطبيقه، وأصبح مصدرا من مصادر المشروعية الإدارية وذلك أمر يختص به القضاء الإداري وحده، فهو الذي يقرر ما إذا كانت القاعدة التي تتمسك بها الإدارة أو صاحب المصلحة في الدعوى المطروحة أمامه تعد من قبيل الأعراف الإدارية المستقرة أم لا.

ثانيا. المبادئ العامة للقانون:

توجد إلى جوار القانون المكتوب في كافة مجتمعات العالم تقريبا مجموعة من القواعد القانونية غير المكتوبة يطلق عليها إسم المبادئ العامة للقانون المجسدة للأفكار الفلسفية والقيم الإجتماعية، القائمة في ضمير الجماعة والمهيمنة على الروح العامة للتشريع أو على النظام القانوني السائد في المجتمع، يلجأ إليها القاضي عندما لا يجد حلا للنزاع المطروح أمامه في النصوص التشريعية الوضعية، ويستنبط منها ذلك الحل ويقرره في أحكامه فيكتسب بذلك قوة إلزامية، ومن ثم يصبح مصدرا من مصادر المشروعية.

ويقصد بالمبادئ القانونية العامة القواعد القانونية غير المكتوبة التي يقرها أو يستنبطها القضاء ضمنيا من واقع النظام القانوني في الدولة، ومن المفاهيم الأساسية السياسية والاقتصادية الاجتماعية والفكرية والروحية المعتمدة في المجتمع، حيث يقررها القضاء في أحكامه، فتكسب قوة إلزامية وتصبح بذلك مصدرا من مصادر المشروعية. 

فهي مبادئ تمليها العدالة المثلى ولا تحتاج إلى نص يقررها وبذلك يتحتم على الإدارة احترام تلك المبادئ والعمل بمقتضى ما تقرره من أحكام وذلك فيما تتخذه من أفعال وتصرفات، وٕإلا كانت هذه الأفعال والتصرفات معيبة ووقعت باطلة لمخالفتها لمبدأ المشروعية ومن أمثلة تلك المبادئ: مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون أو أمام التكاليف العامة، ومبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية، ومبدأ الحرية الشخصية.

إستقر الفقه والقضاء في كل من فرنسا ومصر والجزائر على أن للمبادئ العامة للقانون قوة قانونية ملزمة، وبالتالي يكون باطلا كل قرار أو إجراء تتخذه الإدارة العامة بالمخالفة لمبدأ من هذه المبادئ، كما أنها ليست كلها على درجة واحدة من القوة وإنما تختلف بحسب إختلاف المصدر الذي إستقاها القضاء منه فإذا كانت هذه المبادئ تعتبر مماثلة في قوتها الإلزامية للنصوص الدستورية، فإنه لا يجوز للسلطة التشريعية أن تخرج عن هذه المبادئ، أما إذا كانت المبادئ العامة للقانون تستمد كيانها من مجموعة القواعد التشريعية المطبقة داخل الدولة، ففي هذه الحالة تأخذ المبادئ العامة للقانون قوة التشريع العادي ولا تعدل إلا بنص تشريعي.

ويكون لهذه المبادئ نفس القيمة القانونية التي تكون للمصدر التي تستقى منه، فإذا كان القاضي إستخلص المبدأ القانوني العام من النصوص الدستورية كمبدأ المساواة فيكون لهذه المبادئ نفس القيمة التي تكون للدستور، ولا يجوز للسلطة التشريعية مخالفتها وهي بصدد سن القوانين، أما إذا كان القاضي إستخلص المبدأ القانوني العام من مجموع النصوص التشريعية السائدة داخل المجتمع كمبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية أو مبدأ حجية الأحكام، فيكون لهذه المبادئ نفس القيمة التي تكون للتشريع العادي.

وعليه فإن المبادئ العامة في المجال الإداري التي يرسخها القضاء تستمد قوتها الملزمة من مجموع المبادئ المحددة في النصوص الدستورية، التشريعية والتنظيمية خاصة وأن هذه الأخيرة حوت الكثير من القواعد التي تهم الإدارة بشكل عام؛ وهكذا نخلص إلى أن مصادر المشروعية تشمل كافة القواعد القانونية في المجتمع أيا كان مصدرها أي سواء كانت مكتوبة أم غير مكتوبة.
google-playkhamsatmostaqltradent