مجالات تسيير الكفاءات:
تسيير الكفاءات هو عملية إدارة القدرات والمهارات والمواهب لضمان تحقيق أهداف المؤسسة بأقصى كفاءة ممكنة؛ وتتمثل المجالات الكبرى لتسيير الكفاءات في: (إعداد مواصفات الكفاءات، تقييم الكفاءات، تطوير الكفاءات، رواتب الكفاءات).
1. إعداد مواصفات الكفاءات:
إن التعرف على الكفاءات المرغوب فيها (المطلوبة) يمثل إحدى المراحل الأساسية لتسيير الكفاءات على مستوى المؤسسة، لكن تبقى هذه المهمة صعبة، وذلك لعدة أسباب منها:
- لا يوجد منصب بمحتوى ثابت عبر الزمن، فالتغيرات التي تفرضها البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة تؤدي إلى ضرورة تحديث مستمر لمحتوى المنصب، وبالتالي لنوع الكفاءات المطلوبة لشغل ذلك المنصب.
- يمكن لشخصين مختلفين أن يشغلا نفس المنصب كل واحد منهما على طريقته الخاصة، وهذا يظهر أكثر فأكثر كلما صعدنا في سلم المسؤوليات، لذا يجب إعداد مواصفات للكفاءات تمتاز بالمرونة وتتيح فرصا أكثر للمبادرات الفردية.
يجب التعامل بحذر مع مسمى الوظيفة، فوظيفتين بنفس المسمى لا تقابلهما بالضرورة نفس مواصفات الكفاءات، مثلا وظيفة رئيس المستخدمين في الشركة الأم لا تتطلب نفس الكفاءات التي تتطلبها نفس الوظيفة على مستوى فرع للشركة خارج الوطن، والكفاءات المطلوبة لشغل وظيفة مسؤول مبيعات في مدينة صناعية تختلف عن تلك المطلوبة لشغل نفس الوظيفة في منطقة نامية.
ولإعداد مواصفات الكفاءات توجد عدة طرق من أجل تحليل الكفاءات وجمع المعلومات حول الوظائف والكفاءات المطلوبة لشغل تلك الوظائف، ومن بين الطرق الأكثر إستعمالا نجد:
• الملاحظة الميدانية: تتمثل في ملاحظة الأفراد أثناء تأدية مهامهم من أجل جمع المعلومات المتعلقة بعدد العمليات والحركات التي يجب القيام بها ومدى أهميتها ودرجة صعوبتها، وبالتالي إستنتاج نوع الكفاءات التي يجب توفرها في شاغل الوظيفة وغالبا ما ترفق هذه الطريقة بدراسة أولية لمختلف الوثائق التي تصف الوظيفة بالإضافة لمقابلة الأفراد المعنيين.
لكن يعاب على الملاحظة الميدانية صعوبة تطبيقها على الوظائف النوعية رفيعة المستوى، وكذا صعوبة التقيد بالموضوعية التامة من طرف الملاحظين، كما أن الملاحظة لا تسمح بالتعرف على كل أبعاد الكفاءة بل تكتفي برصد الحركات التي يقوم بها الأفراد.
• المقابلة: تسمح المقابلة بجمع المعلومات حول الوظائف وذلك بعد طرح مجموعة من الأسئلة على شاغلي هذه الوظائف، تتعلق بمحتوى كل وظيفة، وكذا حول الخبرة الشخصية لشاغلها، حول المهام السهلة والمهام الصعبة، حول توقعات الفرد لتطوير الوظيفة ونظرته الشخصية بخصوص الطريقة المثلى لتأدية مختلف المهام.
ومن عيوب هذه الطريقة أنها تستغرق وقتا طويلا (لا تكفي مقابلة واحدة)، كما أن نتائج المقابلة غير موضوعية لأنها مرتبطة بآراء كل من محلل الكفاءات والفرد الخاضع للمقابلة، بالإضافة لعدم سماحها بالتعرف الشامل على نوع الكفاءات الضرورية لشغل الوظيفة (الإكتفاء بجرد لقائمة الأنشطة التي يجب القيام بها).
• الوصف الشخصي من طرف الأفراد شاغلي الوظائف: يقوم الفرد في هذه الحالة بإعداد وصف لمختلف الأنشطة والمهام التي يقوم بها بنفسه مع تحديد خطوات الإنجاز؛ لكن لإتمام هذه الطريقة يجب إرفاقها بمرحلة ثانية لتحديد نوع الكفاءات اللازمة للقيام بتلك الأنشطة من طرف المختصين، كما يمكن إعتماد نموذج مبسط لإجراء هذا الوصف الشخصي للكفاءات.
• طريقة الوقائع أو الأحداث الحرجة: وهو نوع معقد من أنواع المقابلة بحيث يوضع فيه الفرد في وضعية مهنية معينة أو يطلب منه تذكر حادثة مرتبطة، والأنشطة التي أقوم بها والكفاءات التي أمتلكها بالعمل ويحاول فيها المحلل التعرف على الأحداث أو النشاطات والحركات الأكثر أهمية أثناء تأدية الوظيفة، ويعتمد في هذه الطريقة على تحديد المشكلات وكيفية التعامل معها للوصول إلى حل ملائم.
• سلم كيلي: إقترح كيلي إعتماد قائمة كاملة توضح السلوكيات والتصرفات الجيدة أو المرغوبة، وقائمة التصرفات المرفوضة أثناء ممارسة مختلف الأنشطة في مكان العمل والتي اطلق عليها بإسم (سلم كيلي)، ويشترط قبل ذلك القيام بوصف دقيق للوظائف ومختلف المهام الضرورية لإنجاح كل وظيفة.
• بطاقة الكفاءات المهنية: وتأتي كنتيجة لمرحلة تحليل الكفاءات من أجل التعرف على مختلف الكفاءات المهنية بأبعادها الثلاثة (المعرفة، المهارات والسلوك) التي يمتلكها كل فرد داخل المؤسسة وكيفية تجنيدها لمواجهة وضعيات مهنية محددة.
2. تقييم الكفاءات المهنية:
تمثل عملية تقييم الكفاءات مرحلة هامة من مراحل تسيير الكفاءات وواحدة من المجالات الكبرى لتسيير الكفاءات لأنها تسمح بمعرفة جوانب القوة والضعف في الكفاءات.
1. أنواع تقييم الكفاءات:
وتشمل تقييم الكفاءات الفردية وتقييم الكفاءات الجماعية؛ حيث يتم تقييم الكفاءات الفردية من خلال:
- التقييم الدائم والمستمر: ويشمل جميع العمال ويتم بإستعمال أدوات تقنية معروفة كالإختبارات التي تقيس القدرات الذهنية والنفسية والمعرفية، وكذا بطاقات التقييم، وتتم هذه العمليات المنظمة والمهيكلة على مستويات مختلفة ومن طرف مختصين في قياس المؤهلات والكفاءات الفردية.
- الكشف عن الكفاءات النادرة: فعملية التقييم هنا تسعى إلى التعرف على الذين يمتلكون قدرات أو إمكانيات عالية ونادرة، ففي البداية يتم تحديد مكانهم ومجال تخصصهم وخبرتهم ودورهم الإنتاجي أو الإستراتيجي، وفي مرحلة ثانية يتم تحديد طريقة لتسيير هذه الكفاءات والمحافظة عليها ونشر المعارف ونقلها لأشخاص آخرين مؤهلين لذلك من داخل المؤسسة.
- البحث والكشف عن الكفاءات غير المعروفة أو الخفية: وذلك لسبب أو لآخر كأن تكون البيئة التنظيمية القائمة هي التي لم تسمح للأفراد بإبراز مواهبهم وإمكانياتهم أو كونهم يشغلون وظائف ثانوية في المؤسسة رغم إمتلاكهم لكفاءات عالية تأهلهم لشغل وظائف أساسية.
أما تقييم الكفاءات الجماعية فيتم من خلال التركيز على تقييم كفاءة مجموعات و فرق العمل في المؤسسة، وتهدف عملية التقييم في هذه الحالة إلى قياس روح التعاون بين أفراد المجموعة، والتكامل المهني بينهم، والقدرة على التنظيم والإبتكار، وإذا كان لديهم العلاقات الإتصالية في كل الإتجاهات، والتي تساهم في نقل المعلومة القدرة على التغيير والتطوير.
2. مقاربات تقييم الكفاءات:
توجد عدت أنواع من المقاربات من بينها:
- مقاربة المعارف النظرية: وذلك بإجراء مقارنة بين المعارف النظرية المحققة التي يمتلكها الفرد والوضعيات المهنية المرتبطة بها داخل المؤسسة.
- مقاربة المعارف العملية: ويتم في هذه المقاربة التركيز على الأداء الفعلي للأفراد عن طريق الملاحظة المباشرة في وضعيات العمل المختلفة داخل المؤسسة.
- مقاربة المعارف السلوكية: وهي مقاربة تركز على البعد السلوكي البحت لإعتبارها أن أداء المؤسسة مبني على السلوكيات الفردية والجماعية داخلها.
- مقاربة المواهب أو الميزات الشخصية: وهنا يتم إجراء إختبارات من أجل التعرف على الأفراد الذين يمتلكون مواهب نادرة والتي غالبا ما تكون وراثية أكثر مما هي مكتسبة.
3. أدوات تقييم الكفاءات:
• المرافقة الميدانية: هذه الطريقة تسمح للمسؤولين بالتقييم الدوري لكفاءات الفريق، وكذا تقديم النصائح لهم ومساعدتهم على التطور، ويعتمد فيها على مرجعية كفاءات محددة من أجل التحقق من التطورات الحاصلة بفضل التكوين، ويشترط في المرافقة الميدانية إلتزام الموضوعية والإحترافية من طرف الرئيس أثناء الحكم على مستوى كفاءة المرؤوس.
• طريقة مركز التقييم: ويخضع فيها الفرد لتقييم من طرف مجموعة من المقيمين الذين يستعملون عدة تقنيات كالمحاكاة والملاحظة الميدانية للحكم على الكفاءات المكتسبة من طرف الفرد بغرض تعيينه في المناصب العليا والهامة.
• مرجعية الكفاءات: هي أداة تسجل كل الكفاءات الضرورية لممارسة مختلف المهن (تسويق، موارد بشرية، إنتاج...)، ومن ثم ربطها بنماذج الأعمال المرتبطة بكل فرع مهني، وهذا ما يسمح بوضع كل فرد في المكان المناسب حسب نوع أو مستوى كفاءته.
• مقابلة النشاط السنوي: عبارة عن مقابلة دورية سنوية بين المرؤوس ورئيسه المباشر والتي تهدف إلى تقييم أدائه للسنة المنتهية وتحديد أهداف جديدة للسنة الآتية؛ تسمح هذه الأداة بخلق علاقات تواصل بين الرئيس والمرؤوس من أجل الإتفاق على النتائج التي يجب التوصل إليها، وكذا مستويات الأداء المطلوبة، والتي بدورها تحدد نوع الكفاءات الجديدة التي يجب إكتسابها، وتلعب مقابلة النشاط السنوي ثلاثة وظائف أساسية هي:
- وظيفة الإتصال (منح فرصة للمرؤوس للتعبير عن أفكاره بطريقة شفوية مباشرة).
- وظيفة حل المشكلات وذلك خارج إطار الإجتماعات المعتادة.
- وظيفة تحسين إدارة الموارد البشرية وذلك بالتعرف على كفاءة المرؤوس وطموحاته وإحتياجاته التدريبية وكذا اطلاعه على ما هو مطالب به للسنة الآتية.
3. تنمية الكفاءات:
تندرج تنمية الكفاءات ضمن نشاطات إدارة الموارد البشرية، ونقصد بها تلك الأنشطة التعليمية التي تساعد في تحسين مستوى المعارف والمهارات والإستعدادات التي تساهم في زيادة المردودية الحالية والمستقبلية للأفراد لرفع قدراتهم المرتبطة بإنجاز المهام الموكلة إليهم وكذا تحسين قدراتهم على التكيف مع تغيرات بيئة المؤسسة.
1. أهمية تنمية الكفاءات:
تظهر أهمية تنمية الكفاءات فيما يلي:
- القدرة على مواجهة المنافسة، وبالتالي ضمان إستمرارية المؤسسة.
- التكيف المستمر مع التغيرات التكنولوجية السريعة التي تحدث في بيئة المؤسسة.
- سد الثغرات في أداء الأفراد حاليا ومستقبلا.
- تحسين مستوى الكفاءة يؤدي إلى زيادة الثقة في النفس وهذه الثقة تساهم في حدوث الهدوء النفسي وحب العمل مما يؤدي إلى نقص النزاعات بين الأفراد من جهة وتراجع معدلات الغياب من جهة أخرى.
- الكفاءات ضرورية لإكتساب الميزة التنافسية والقدرة على إعتماد أنظمة الجودة العالمية.
2. أهداف تنمية الكفاءات:
تهدف تنمية الكفاءات إلى:
- زيادة المردودية الحالية والمستقبلية للأفراد مما يؤدي إلى تحسين الأداء الكلي للمؤسسة.
- تدعيم العمل الإبداعي وروح المبادرة والإبتكار لدى الأفراد.
- إكتساب موارد بشرية لها القدرة على التكيف المستمر مع تغيرات البيئة، وبالتالي منحها القدرة على تولي المناصب المستحدثة.
- تحسين شعور الأفراد بالقدرة على تحقيق ذواتهم مما يحفزهم أكثر على الإستمرار في العمل والرغبة في التعلم المتواصل والتأقلم مع جميع الظروف.
- تعزيز قدرات المسؤولين على إتخاذ القرارات الصائبة بفضل الدورات التدريبية التي يستفيدون منها.
3. أساليب تنمية الكفاءات:
يتم تنمية الكفاءات من خلال مجموعة من الأساليب المتمثلة في:
1. التدريب: ويقصد به تلك الجهود الهادفة إلى تزويد الموظف بالمعلومات والمعارف التي تكسبه مهارة في أداء العمل أو تنمية وتطوير ما لديه من مهارات ومعارف وخبرات مما يزيد من كفاءته في أداء عمله الحالي أو أداء أعمال ذات مستوى أعلى مستقبلا، ومن أهداف التدريب:
- تزويد الفرد العامل (ذو الأقدمية أو الموظف حديثا) بالكفاءة المطلوبة.
- مواكبة التطورات في مجال العمل والتعرف على المهارات والمعارف الجديدة الضرورية لمختلف الوظائف.
- تطوير سلوكيات تنتمي إلى طبيعة الأعمال التي يؤديها الفرد.
- إزالة أو معالجة نقاط ضعف الأداء سواء كان ذلك للأداء الحالي أو المستقبلي المتوقع.
- تخفيض التكاليف الإنتاجية بفضل ما يتيح التدريب من تبسيط العمليات وتقليل للهدر من المال والوقت.
- تعميق قدرات المديرين في مجال الإدارة وفعالية تحقيق الأهداف ورسم الإستراتيجيات وتحليل المشكلات.
- زيادة الإنتاجية بفضل زيادة مهارات الأفراد.
- رفع معنويات الأفراد بفضل إكتسابهم للقدر المناسب من المهارات مما يعزز لديهم الثقة في النفس ويحقق نوع من الإستقرار النفسي.
- تخفيض حوادث العمل، وذلك بالتدريب على الطرق الآمنة لتأدية الأعمال.
- ضمان وجود رصيد من الأفراد المدربين والمؤهلين لشغل مختلف المناصب فور خلوها لسبب من الأسباب، وهذا ما يسمح بإستقرار المؤسسة.
2. إعادة التكوين: يمكن إعتبار إعادة التكوين كنوع من أنواع التكوين مع أنه يمكن إستعمال مرادف آخر له ألا وهو الرسكلة (recyclage)، وتحدث عملية إعادة التكوين عند إنتقال الفرد إلى وظيفة جديدة نظرا لضرورة إلمامه وإحاطته ببعض المعلومات المتخصصة والتي سوف يحتاج إليها في الوظيفة الجديدة، كما أن هذه العملية تستهدف أحيانا ترقية الفرد أو تمكينه من فنيات وتقنيات جديدة أدخلت على طرق وأساليب العمل.
3. التأهيل: بينما يركز التكوين على الأداء، يتمحور التأهيل في عملية التأقلم والتكيف مع بيئة العمل، ويمكن إستعماله بمعنى تمكين الأفراد العاجزين عن إستعادة قدرتهم على ممارسة عملهم الأصلي أو أية أعمال أخرى تتناسب مع حالتهم الصحية والنفسية.
4. التعلم بالمرافقة: التعلم بالمرافقة عبارة عن عملية يقوم فيها المرافق بمساعدة الأفراد على إيجاد حلول مناسبة لبعض المواقف أثناء ممارسة نشاطهم داخل المؤسسة، كما يوجههم بشكل يسمح لهم بإكتشاف جوانب القوة لديهم من أجل إستغلالها إستغلالا أمثل يمكنهم من الإبداع أو إحداث تغييرات في طريقة عملهم أو تفكيرهم وفق الترتيب التالي:
- محاورة العامل.
- إقناع العامل.
- تصرف جديد.
- تغير في طريقة العمل أو التفكير.
- تحقيق هدف المرافقة.
5. التحفيز: يسمح بدفع الفرد إلى زيادة توطيد مكتسباته النظرية والعملية والسلوكية بالتكوين وغيرها من وسائل التطوير، كما يعمل على زيادة الرغبة في الإقدام على العمل، وبالتالي محاولة تطبيق المعارف وإبراز المهارات في مجال العمل وهو ما سينعكس على الأداء.