recent
أخبار ساخنة

ما هي طرق إثبات الذنب أو البراءة أمام القاضي؟

طرق إثبات الذنب أو البراءة أمام القاضي:

طرق إثبات الذنب أو البراءة أمام القاضي

تنص التشريعات عادة على طرق إثبات الذنب أو البراءة أمام القاضي، وكذا وسائله، وفي بعض الحالات تحدد الأدلة التي يجب تقديمها للقضاء في دعاوى معينة، وبالتالي تعتبر وحدها جائزة القبول دون غيرها؛ وبوجه عام يمكن حصر أهم وسائل الإثبات أمام القضاء فيما يلي:

1. الكتابة:

تعتبر الكتابة من أهم طرق الإثبات أمام القاضي في وقتنا الحاضر، ولقد مر بنا أن المادة 333 من القانون المدني الجزائري تضمنت حكما مؤداه أنه في غير المسائل التجارية لا يجوز الإثبات إلا بالكتابة سواء لإثبات وجود الحق أو لإثبات الوفاء به إنقضاءه لأي سبب آخر تجاوزت قيمة التعرف القانوني ألف دينار جزائري أو كانت القيمة غير محددة.


وبمفهوم المخالفة لهذا النص نستطيع القول بأنه المعاملات التجارية المدنية التي تكون قيمتها ألف دينار فأقل، وكذلك في المعاملات التجارية عامة مهما كان حجمها أو قيمتها.


فالإثبات جائز ويكون مقبولا أمام القضاء بكافة وسائله بغير الكتابة، كشهادة الشهود والمحادثات الهاتفية وغيرها، ومن البديهي أن الكتابة تصلح وسيلة للإثبات في المواد التجارية وفي المواد المدنية إذا كانت 1000 دينار فأقل وذلك من باب أولى.


والكتابة نوعان كتابة رسمية وكتابة عرفية، فالكتابة الرسمية يقصد بها ما تكون من عمل موظف رسمي مختص كما هو الحال في عقود الرهن الرسمي.


أما الكتابة العرفية فهي التي يقوم بها الأفراد فيما بينهم دون تدخل موظف رسمي ولكل من النوعين حجية خاصة كدليل للإثبات بحسب نصوص القانون.


2. شهادة الشهود (البينات):


يقصد بشهادة الشهود، الأقوال التي يدلى بها الأشخاص في ساحات القضاء بشأن إثبات أو نفي واقعة قانونية أيا كان نوعها.


ولهذا نقول بأن الشهود نوعان، شهود إثبات وشهود نفي، وللمحكمة أن تستمع إلى الشهود دائما سواء كانوا للنفي أو للإثبات لكي تتجلى الحقيقية.


وتقبل شهادة الشهود كدليل إثبات في المواد التجارية عموما، وكذلك في المواد المدنية في حدود الألف دينار لا أكثر كما عرفنا من مضمون المادة 333 مدني، ما لم يوجد نص قانوني بخلاف ذلك.


ولكن الشهادات أي البيانات أيا كان نوعها وأيا كان الأشخاص الذين يؤدون الشهادة لا تكون ملزمة للقاضي بل تخضع لتقديره. فله أن يقبل شهادة واحد من الشهود كدليل إثبات أو نفي يقنع به ويرفض شهادتين متضاربتين، في نفس الدعوى ونفس الموضوع.


3. القرائن القانونية والقضائية:


القرينة القانونية التي ينص المشرع عليها كدليل إثبات تعفي من تقررت صالحه من عبء الإثبات، ومن أمثلتها قرينة الوفاء بالأقساط السابقة عند ثبوت الوفاء بقسط الأجرة اللاحق وعلى ذلك نصت المادة 449 من القانون المدني بقولها: "الوفاء بقسط من الأجرة يعتبر قرينة الوفاء بالأقساط السابقة حتى يقوم الدليل على عكس ذلك".


وتفسير ذلك أنه في دعوى المطالبة بإيجار المعين إذا قدم المستأجر ما يفيد قيامه بـ سداد الإيجار عن الشهر الرابع من العام الحالي مثلا يعتبر ذلك قرينة على سداد جميع الأقساط السابقة على ذلك التاريخ، وعلى المؤجر أن يثبت العكس إذا أراد أي أنه يصبح الملزم بالإثبات.


أما القرائن القضائية فيقصد بها كل ما يستخلصه القاضي من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول فهي أدلة إستنتاجية، ولهذا يجوز للطرف الآخر أن يثبت العكس إذا مكنه من ذلك.


وجرى العرف القانوني على أن القرينة أي كان نوعها فهي أدنى من مستوى الدليل في مجال الإثبات أي لا ترقى إلى قيمته في نطاق الإثبات القضائي ومعنى ذلك أن القرينة تحتاج إلى قرينة أخرى تسندها كدليل إثبات، بينما الدليل يكون بمرده كافيا لـ إثبات الواقعة القانونية أو نفيها.


4. حجية الشيء المقضي به:


الحكم النهائي الفاصل في موضوع الدعوى يعتبر عنوانا للحقيقة والعدالة في نفس الوقت. ولذلك تكون له حجيته في مواجهة الكافة أي بالنسبة لأطراف الخصومة ولغيرهم من الناس ولهذا يعبر عن الحكم النهائي في الدعوى بأنه حجة قضائية وأن له قوة الشيء المقضي.


لذلك يعتبر الحكم النهائي سببا من أسباب إنقضاء الدعوى، بل هو السبب الطبيعي والعادي لإنتهاء الدعاوى، فهو خاتمة مراحل الدعوى وهو الذي يحسم المنازعات القضائية أيا كان نوعها.


ويصدر الحكم النهائي لا يجوز إعادة رفع النزاع إلى أي جهة قضائية أخرى طالما لم يتغير أطراف الدعوى ومحلها وسببها. ويمكن الإحتجاج بـ الحكم القضائي النهائي كدليل على صحة ما جاء فيه وإستخدام هذا الحكم كدليل للإثبات في دعوى قضائية أخرى لحسم نزاع يتصل بالنزاع الذي فصل فيه نهائيا.


5. الإقرار القضائي:


من المبادئ المقررة في الفقه القانوني أن الإقرار القضائي يعتبر سيد الأدلة في الإثبات أمام الجهات القضائية، والإقرار القضائي بقصد به إعتراف المدعي عليه بصحة الواقعة القانونية المدعي بها.


ولهذا نقول إذا أقر المدعي عليه أمام المحكمة بمديونيته بالحق المدعي به عليه، كان هذا الإقرار من جانبه دليلا على ثبوت حق المدعي.


ولا تجوز تجزئة الإقرار بل يتوجب على القاضي في هذه الحالة الحكم لصالح المدعي، والإقرار دليل قاطع في الإثبات، أما في المواد الجنائية فقد نصت المادة 213 إجراءات جزائية على ما يأتي: "الإعتراف شأنه كشأن جميع عناصر الإثبات يترك لحرية تقدير القاضي".


ولاشك أن المشرع يقصد بهذا النص الواضح أن يخول القاضي حق تحري الحقيقة لتحقيق العدالة فله أن يلتفت عن الإعتراف القضائي إذا كان غير صحيح أو كان نتيجة إكراه مادي او معنوي. أما إذا كان الإعتراف لا يشوبه عيب فإنه يعتبر دليلا متميزا في الإثبات القضائي.


6. الـيمـيـن:


يقصد باليمين أداء القسم، أي يحلف الشخص بالله العظيم أن يقول الحق ولا شيء غير الحق، وإلا تعتبر شهادته باطلة قانونا.


وجرى العمل أن يؤدى الشهود اليمين القانونية قبل إبداء أقوالهم أمام المحكمة، كما يقسم أيضا المترجمون والخبراء وغيرهم ممن يبدون أراءهم في حالات إنتداب الخبراء، وذلك للتأكيد من أنهم سيؤدون شهاداتهم بالحق والصدق.


والخصوم أيضا قد يؤدون اليمين كوسيلة من وسائل الإثبات مع ملاحظة أن اليمين نوعان: اليمين المتممة واليمين الحاسمة.


واليمين المتممة هي التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أي أطراف الخصومة في الدعوى بغرض إتمام إقتناعه بقرينة معينة، وهذه اليمين المتممة لا أثر لها، لأن القاضي له أن يأخذ بها وله أن يلتفت عنها حتى بعد قيام الخصم بحلف اليمين.


ومن المعلوم أن للخصم أن يحلف اليمين المتممة إذا طلبها القاضي وله أن يمتنع عن أداء اليمين، حيث لا يتقرر حتما بأدائها أو النكول عنها حسم النزاع إيجابيا أو سلبيا.


أمت اليمين الحاسمة فهي التي يوجهها الخصم المدعي للمدعي عليه، عندما يعجز عن إثبات حقه الذي يدعيه، ويطلب منه ان يقسم على صحة ما يدعي به عليه أو عدم صحته، وبحسب نص القانون تحسم هذه اليمين النزاع.


بحيث لو أداها المدعي عليه وقرر عدم صحة الإدعاء المقام ضده فإن المدعي يخسر دعواه، أما إذا إمتنع المدعي عليه من حلف اليمين الحاسمة فإن المدعي يربح دعواه، حيث يعتبر ذلك دليل إثبات على صحة ما إدعاه.


وفي المواد الجنائية لا يحلف المدعي المدني اليمين، ولا يعتبر شاهدا لأنه يعتبر خصما حتى ولو كان هو المجني عليه، مع أنه في حالة عدم إدعائه مدنيا يعتبر شاهد الإثبات الأول في الدعوى العمومية ويحلف اليمين بإعتباره شاهدا.


7. المعـايـنة:


يقصد بالمعاينة الإنتقال إلى مكان النزاع لمشاهدته على الطبيعة بقصد التوصل إلى معرفة الحقيقة والفصل في الدعوى على ضوء نتيجة المعاينة.


وقد تنتقل المحكمة بهيئتها القضائية لإجراء المعاينة إذا كانت هناك مبررات وذلك لإستجلاء الملابسات الغامضة في موضوع النزاع، وللمعاينة أثر بالغ في إستظهار الحقائق.


وقد تضمن قانون الإجراءات المدنية الجزائري النص على أنه يجوز لقاضي المحكمة أن يأمر من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم بالإنتقال للمعاينة.


وأنه يجوز للقاضي أن يستصحب من يختاره من أهل الخبرة للإستعانة به عند إجراء المعاينة والإسترشاد بخبرته الفنية في موضوع النزاع.


كما أجاز المشرع للقاضي أثناء إجراء المعاينة ان يسمع الشهود الذين يرى لزوما لسماع شهاداتهم بعين المكان.


ويجب أن يحرر محضر بالمعاينة ويوقع عليه القاضي ومن كاتب الجلسة وتثبت فيه إجراءات المعاينة وما يثبت منها، على أن يودع هذا المحضر بملف الدعوى. كما نص المشرع على أن مصروفات الإنتقال للمعاينة تضاف إلى مصروفات الدعوى.


8. تقارير الخبراء:


كثيرا ما يلجأ القضاة إلى الإستعانة بأهل الخبرة من أطباء أو مهندسين أو فنيين، لإجراء الفحص والبحث والتحليل في الدعاوى التي تثار فيها مشاكل تقنية مثل مضاهات الخطوط عند الإدعاء بتزوير المحررات، وتكون لتقارير أولئك الخبراء أهمية قانونية كقرائن أو أدلة في الإثبات القضائي.


وقد نظم المشرع في قانون الإجراءات المدنية قواعد الإستعانة بالخبراء أمام المحاكم وأجاز للقاضي أن يستعين بخبير أو بعدد من الخبراء لإجراء أعمال الخبرة في الدعوى المطروحة عليه، سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم.


وللقاضي أن يختار هؤلاء الخبراء من بين المقيدين بجدول الخبراء بـ المجلس القضائي أو من غيرهم بشرط أن يحلفوا اليمين القانونية.


ويلتزم الخبراء بتقديم تقاريرهم عن المهام التي كلفوا بها من قبل المحاكمة في الآجال التي يحددها لهم القاضي الذي إنتدبهم ويجوز للقاضي مناقشتهم في المحكمة لإستجلاء ما كان غامضا في تلك التقارير. وبهذا نكون قد إستكملنا باب إثبات الحق وننتقل إلى الباب الخامس والأخير لكي نبحث زوال الحق أي إنقضاء الحق.

المذاهب المختلفة في الإثبات أمام القاضي:

الإثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء، وقد يلزم القاضي بهذا الدليل كما يمكن يلتزم به، وقد يفرض القانون على المتقاضين تقديم دليل معين، كما قد تترك الحرية للقاضي في التحري وذلك وفقا لإعتماد مذهب من المذاهب المختلفة في الإثبات، في ما يلي نتعرض لها بالتفصيل:

1. مذهب الإثبات المطلق: وتكون للقاضي وفقا لهذا المذهب سلطة واسعة في التحري عن الوقائع التي عليه، فيكون له دور فعال في تسيير الدعوى وإستجماع الأدلة؛ ويعاب على هذا المذهب أنه يعطي سلطة واسعة وكبيرة للقاضي، مما قد يؤدي الإضرار بالمتقاضيين إذ يحتمل أن يتعرضوا لمفاجآت نتيجة إختلاف التقدير من قاضي إلى آخر ويقلل من الثقة في نظام الإثبات.

2. مذهب الإثبات المقيد: قد يفرض المشرع للإثبات طرقا محددة، فلا يستطيع المتقاضى إقامة الدليل على حقه بغير الوسيلة التي حددها القانون، كما يكون القاضي كذلك ملزما بهذه الطرق، فهذا المذهب يقيد القاضي إلى أبعد الحدود ويحقق الإنسجام في تقدير القضاة مما يترتب عليه إستقرار المعاملات، إلا أنه يؤخذ على هذا النظام أن الحقيقة القضائية لا تتفق أحيانا مع الحقيقة الفعلية أو الواقعية لأن القاضي والمتقاضين ملزمون بطرق محددة فلا يمكن إقامة الدليل على أمر واضح بغير الطرق التي حددها القانون.

3. مذهب الإثبات المختلط: يأخذ هذا المذهب بالإثبات المقيد في مسائل معينة كالمسائل المدنية التي يتطلب المشرع إثباتها بالكتابة أما في المسائل المدنية التي تشترط الكتابة لإثباتها، فإثباتها يكون مطلقا إذ للقاضي تقدير شهادة الشهود أو القرائن القضائية وفقا لإقتناعه الشخصي؛ أما المسائل التجارية فيأخذ فيها بنظام الإثبات المطلق نظرا لما تتطلبه هذه المسائل من سرعة في التعامل، إذ يصعب إقامة الدليل عليها كتابة فلا يمكن تقييدها بأدلة معينة، وتأخذ معظم التشريعات ومن بينها المشرع الجزائري بالمذهب المختلط.

وفي هذا المذهب المختلط يكون للقاضي موقف وسط، إذ قد يكون له مطلق الحرية في المسائل المدنية، إذ يستطيع من تلقاء نفسه الأمر بإجراء تحقيق في الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بالبيئة مثلا، كما أن له أن يوجه اليمين المتممة إلى أحد الخصوم من تلقاء نفسه أيضا، ويكون دور القاضي مقيدا وسلبيا كلما قيده القانون بأدلة معينة، كوجوب الإعتداء بالدليل الكتابي مثلا.
google-playkhamsatmostaqltradent