recent
أخبار ساخنة

ما هو قانون العمل؟

لقد أدى ظهور الصراعات والتناقضات بين مصالح العمال وأصحاب العمل، وحدوث إجحاف في حقوق العمال وسوء أحوالهم المهنية، إلى فشل تطبيق مبدأ سلطان الإرادة في التعاقد على إطلاقه، حيث إنتشر الإحتكار في العديد من الأنشطة الإقتصادية عوضا عن المنافسة الحرة، هذه الأوضاع ساهمت وبشكل مباشر في دفع الدولة للتدخل في تنظيم علاقات العمل والحد من الصراعات بين طرفي علاقة العمل من خلال سن تشريعات أطلق عليها تسمية قانون العمل.

ما هو قانون العمل؟

قانون العمل:

يعتبر قانون العمل من القوانين الحديثة النشأة، إذ لم تتبلور مبادئه في شكلها المتميز إلا مع بداية القرن العشرين، لتعرف بعد ذلك تطورا سريعا، وتشكل بذلك مجموعة من القواعد القانونية والتنظيمية والإتفاقية التي تحكم مختلف أوجه علاقة العمل؛ كما له أهمية بالغة بالنسبة لشريحة واسعة من المجتمع، فهو يقوم بتنظيم علاقات العمال بأصحاب العمل، ومن ثم فإنه يتصل بتحديد أوضاع ومستوى معيشة عدد كبير من الأشخاص والأسر، والمجتمع بأسره، وهو ما يجعله أيضا يحظى بدور بارز في مجال تدعيم أمن المجتمع وإستقراره. 

1. تعريف قانون العمل:

إختلف الفقه في التعريف بقانون العمل، ومرد هذا الإختلاف هو حداثة القانون، وإختلاف الآراء حول نطاق تطبيقه، وأول ما يظهر من هذا الإختلاف هو التباين في الإصطلاح، حيث توجد العديد من التسميات نوجزها في ما يلي:

1. القانون الصناعي: وهو الإصطلاح الأول من حيث الظهور، حيث إقترن بالثورة الصناعية بأوروبا، غير أنه يفهم من هذا الإصطلاح أن المقصود بمجموع النصوص القانونية التي تنظم العلاقات القانونية بين التابع والمتبوع هي تلك التي يتحدد نطاقها في عمال الصناعة وحدهم، وبالتالي يخضعون وحدهم لقانون العمل، وعليه يكون هذا الإصطلاح قاصرا على الإلمام بكل فئات العمال، حيث يستثني فئة المأجورين الذين يؤدون عملا مأجورا في قطاع التجارة والخدمات.

2. القانون الإجتماعي: ترتكز هذه التسمية إلى إعتبار مجمل النصوص المنظمة لعلاقات العمل تهدف في الأساس إلى دعم الأمن الإجتماعي، غير أنه ما يعاب على هذه التسمية أن القانون الذي ينظم علاقات العمل ليس وحده الذي يضمن الأمن الإجتماعي، وإن كان جوهريا لتحقيق هذه الغاية، بل أن ضمان الأمن الإجتماعي تكفله مجمل القوانين متكاملة فيما بينها، حيث أن الهدف النهائي لوجود أي قانون هو تحقيق هدف السلم الإجتماعي.

3. قانون العمل: يمكن لهذا الإصطلاح أن يشكل بديلا للإصطلاحات السابقة، من حيث كونه أكثر قدرة على التعبير عن النصوص التي تنظم العلاقات الناشئة عن العقود التي يتم بمقتضاها تبادل الجهد والأجر فيما بين أطرافها، ويمكن تعريفه بإختصار على أنه "مجموعة من القواعد التي تحكم العلاقات الناشئة عن قيام شخص طبيعي بالعمل لحساب شخص آخر من أشخاص القانون الخاص تحت إدارته وإشرافه مقابل أجر"؛ أو هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الخاصة الفردية والجماعية التي تنشأ عن قيام أشخاص (العمال) بالعمل لحساب أشخاص آخرين (أصحاب العمل) تحت سلطتهم وإشرافهم، مقابل أجر.

إلا أن الإتجاه الغالب في الفقه يعرفه بأنه مجموعة القواعد القانونية والتنظيمية والإتفاقية التي تنظم العلاقات القائمة بين كل من العمال والمؤسسات المستخدمة، وما يترتب عنها من حقوق وإلتزامات ومراكز قانونية للطرفين، وعلى هذا الأساس، فإن قانون العمل يتشكل كالآتي:

  • من حيث النصوص: لا يكتفي قانون العمل فقط بالتشريعات، وإنما يتعداها إلى الإتفاقيات الجماعية والأنظمة الداخلية.
  • من حيث مجال التطبيق: ينصرف تطبيق قانون العمل الحديث إلى جميع الفئات العمالية، وفي مختلف المجالات (الصناعة، التجارة، والخدمات)، فيما عدا الفئات المستثناة صراحة من الخضوع لقانون العمل لاسيما الموظفين، القضاة، وكذا المنتسبين لقطاع الدفاع الوطني.
  • من حيث الجوانب التي ينظمها: لا يقتصر قانون العمل على تنظيم الحياة المهنية للعمال أثناء سريان علاقة العمل، بل يتعداها إلى كل الجوانب التي لها علاقة بالعمل، حتى أثناء إنقطاعه أو توقفه، مثل وضعية التقاعد، والمرض.

ويكمن الفرق بين المفهوم التقليدي والمفهوم الحديث في:

  • التعريف التقليدي لقانون العمل: حسب الفقه التقليدي يعرف قانون العمل بأنه "مجموعة القواعد القانونية التي تحكم وتنظم الروابط بين طرفي علاقة العمل الناشئة عن العمل التابع للعمال المأجورين"، وهو التعريف التقليدي الذي ينصب فقط على القواعد التشريعية، المفروضة على العمال المأجورين أثناء الفترة التي تغطيها علاقة العمل.

  • التعريف الحديث لقانون العمل: إن محتوى قانون العمل قد توسع ليشمل النصوص التنظيمية، والإتفاقيات الجماعية، والنظم الداخلية للعمل، كما توسع من حيث نطاق التطبيق الزمني، إذ تجاوز مرحلة سريان علاقة العمل، لينظم حياة العامل حتى بعد إنتهاء هذه العلاقة، وهو ما يفسر سبب ظهور قوانين الحماية والضمان الاجتماعي للوقاية من مختلف المخاطر والأوضاع الصعبة التي قد يوجد فيها العامل أو أحد أفراد عائلته.

2. أهمية قانون العمل:

يعتبر قانون العمل رغم حداثة نشأته أحد أكثر فروع القانون أهمية، وترجع هذه الأهمية إلى ما لهذا القانون من آثار بالغة على الصعيدين الإجتماعي والإقتصادي:

1. الأهمية الإجتماعية لقانون العمل: ترجع أهمية قانون العمل من الناحية الإجتماعية إلى عمق أثاره التي يتركها في حياة العمال، فغالبا ما يكون الأجر الذي يتحصل عليه العامل مقابل عمله هو المصدر الوحيد أو الأساسي لدخله، وعليه يتوقف مستوى معيشته.

كما أن قانون العمل يحرص على أن يكون هذا الأجر كافيا لتأمين الحد الأدنى من العيل الكريم للعامل وعائلته، ويحرص على تحديد ساعات العمل (المدة القانونية لساعات العمل هي 19 ساعة في الأسبوع، وذلك حسب المادة 1 من أمر رقم 91-09، الذي يحدد المدة القانونية للعمل)، وأوقات الراحة والعطل السنوية والمرضية وحق التقاعد والحصول على المعال.

فتحقيق التوازن بين الأجر والحاجات المعيشية، يوفر للعامل وأسرته حدا من الأمن المعيشي، يقيه شر الحاجة والعوز، وتحديد ساعات العمل وأوقات الراحة والإجازات السنوية والمرضية والأعياد يوفر العامل الوقت اللازم لتجديد نشاطه والإشراف على شؤونه الخاصة، ذلك أن "حياة العامل تبدأ حيث ينتهي عمله". 

كما يهتم بتوفير شروط الصحة والسلامة في أماكن العمل، ويضع تنظيما خاصا لعمل الأحداث والنساء والأجانب والمعاقين، يراعي ضعفهم الجسدي وحاجتهم للرعاية؛ كل ما سبق ذكره يكشف عن أهمية هذا القانون للأمن الإجتماعي وإشاعة الإنسجام والأمن داخل الجماعة ويقضي على أسباب الإضطراب في المجتمع.

2. الأهمية الإقتصادية لقانون العمل: ترجع الأهمية الإقتصادية لقانون العمل إلى أهمية عنصر العمل في العملية الإنتاجية، فكما بقول الإقتصادي الشهير آدم سميث في كتابه ثروة الأمم "إن الدليل القومي في كل بلد ما هو إلا نتيجة عمل أفرادها وجهدهم ..." وتتلخص آثار قانون العمل في:

  • مكافحة البطالة وتوجيه اليد العاملة: من شأن تنظيم سوق العمل أن يساعد الدولة في محاربة البطالة، وإنقاص عدد العمال العاطلين عن العمل، وكذلك القواعد الخاصة بالتدريب المهني أن تساعد في توجيه الأيدي العاملة نحو القطاعات الإقتصادية المختلفة حسب الحاجة.

  • زياد القدر الشرائية للعمال: إن زيادة الأجور تؤدي إلى زيادة القدرة الشرائية لدى العمال الذين يمثلون قطاعا كبيرا من المستهلكين، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات فيزيد الاستهلاك ويزيد الإنتجها تبعها لذلك، لمواجهة الزيادة في الاسهتلاك وهذا ما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني.

3. خصائص ومميزات قانون العمل:

شكلت قواعد قانون العمل فيما بينها مجموعة ذات إستقلالية جعلتها متميزة عن غيرها من القواعد، وتتلخص هذه الخصائص فيما يلي:

1. الصيغة الآمرة: أخذ القول بسلطان الإرادة في التراجع، وذلك أمام نمو الإتجاهات الإجتماعية على حساب المذاهب الفردية، مما ضيق من مجال هذا المبدأ لصالح القانون الذي بدأ يتدخل في مجال قانون العمل بقواعد آمرة، مما ترتب عنه ظهور نظام عام حمائي تدعم معه مركز العمال في علاقة العمل على حساب سيطرة أصحاب العمل التي كانت تستند إلى قانون العرض والطلب، وإلى مبدأ سلطان الإرادة، ويبرز هذا التدخل في التشريع الجزائري من خلال الكثير من الأحكام القانونية.

2. ذاتية المصدر: يعتبر قانون العمل في شكله المعاصر محصلة لجهود طبقة العمال من أجل وضع قواعد هذا القانون، مما جعله متميزا عن غيره من فروع القانون من حيث مصادره التي يعتمد فيها بالخصوص، إضافة إلى النصوص القانونية، أحكاما ذات طابع إتفاقي، تتمثل على الخصوص في الإتفاقيات والاتفاقات الجماعية، التي تترتب عن الأخذ بمبدأ التفاوض بين أرباب العمل والعمال، والتي لا يكون القانون إزاءها إلا مجرد كاشف عن إرادة المخاطبين بأحكامه، عمالا أو مستخدمين.

3. الإتجاه نحو التدويل: عملت الآراء الفقهية والبحوث العلمية على التقارب بين أحكام قانون العمل في مختلف الأنظمة القانونية في العالم، مما يجعل بالإمكان الحديث عن عولمة قانون العمل، أو القانون الدولي للعمل، ويبرر إتجاه هذا القانون للتدويل بوجود منظمات دولية متخصصة تعنى بمسائل قانون العمل، مثل المنظمة الدولية للعمل، ومنظمة العمل العربية، والتي تساهم في التقريب بين النصوص القانونية المتعلقة بالعمل بفضل الإتفاقيات الدولية، والتوصيات والأعمال الإستشارية التي تقدمها للدول.

4. الواقعية: تتجلى خاصية الواقعية في قدرة ومسايرة قانون العمل لمختلف التغييرات والتطورات، ويطبق في كافة الظروف والأماكن والأوقات، لذلك يتميز قانون العمل بأنه قادر على مراعاة حالات العمال وتقدير ظروفهم، والتمييز بين قدراتهم ومهاراتهم في القيام بالمهن المختلفة.

4. مصادر قانون العمل: 

1. المصادر الوطنية: إن المصادر الوطنية أو الداخلية إما أن تكون مصادر رسمية، أو مصادر تفسيرية:

• المصادر الرسمية: تشمل مصادر القانون مرتبة وفق مبدأ تدرج القوانين، وهي:


  • المبادئ الدستورية: عرفت الجزائر بدء من دستور 1989 ما يعرف بالدستور القانون، بعد أن تبنت الدستور البرنامج الذي تميز بخصائصه دستور 1976، حيث اكتفى كل من دستور 1989 و1996 و 2020 بوضع المبادئ الدستورية التي تحكم عالم الشغل، دون التوسع في مكانة العمل في المجتمع، مثلما كان الوضع بالنسبة لدستور 1976، في مقابل إقرار المبادئ الأساسية للعمل، والتي وردت في الفصل الخاص بالحقوق والحريات العامة، لاسيما المواد من 55 إلى 57 من دستور 1996، والتي تضمنت الحق في العمل، والحق في الإضراب، الحق النقابي، وغيرها من الحقوق المرتبطة بعالم الشغل كالحق في الحماية والأمن، والحق في الراحة.

  • النصوص التشريعية: لا تكفي المبادئ الدستورية وحدها كي تحكم عالم الشغل، بحكم أنها مجموعة مبادئ عامة، ينبغي أن تفصل بمقتضى نصوص تشريعية، حيث أحال دستور 1996 على البرلمان صلاحية التشريع في مجال قانون العمل، وذلك بمقتضى المادة 122 الفقرة 18 من الدستور، التي خصت البرلمان بصلاحية التشريع في المسائل المتعلقة بقانون العمل والضمان الاجتماعي، وممارسة الحق النقابي، وهي الصلاحية التي كان المشرع التأسيسي قد أكدها بمقتضى المادة 155 من دستور 1989، مما إنجر عنه إصدار العديد من النصوص التشريعية المتعلقة بعالم الشغل، لاسيما قانون 90/11 المتعلق بعلاقات العمل.

  • النصوص التنظيمية: ورد في المادة 125 من الدستور أن "يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون". وهي المسائل التي حددتها المادة 122 من الدستور، كما أن لرئيس الحكومة (الوزير الأول حاليا) صلاحية إتخاذ الوسائل التنظيمية والإجرائية لتنفيذ النصوص القانونية، مثلما هو وارد في الفقرة 2 من المادة 125 من الدستور: "يندرج تطبيق القانون في المجال التنظيمي الذي يعود لرئيس الحكومة"، وعلى هذا الأساس فإن المقصود بالنصوص التنظيمية فئتان هما المراسيم الرئاسية (الصادرة عن رئيس الجمهورية)، والمراسيم التنفيذية (الصادرة عن الوزير الأول).

  • الأحكام القضائية: إختلف الفقه في الأخذ بالأحكام القضائية ضمن زمرة المصادر الرسمية، وإن كان الإجماع قد وقع بإعتبارها مصدرا ماديا للكثير من الأحكام التشريعية، أو التنظيمية، أو الاتفاقية، من خلال المبادئ القضائية التي يستقر عليها القضاء بمناسبة الفصل في مختلف الدعاوى المرفوعة إليه، مما يدفع بالسلطات التشريعية والتنظيمية، إضافة أرباب العمل والعمال من خلال الإتفاقيات الجماعية إلى تبني المبادئ القضائية، حرصا على إستقرار المعاملات فيما بين أطراف علاقة العمل، كما أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعزف القضاء عن الفصل في النزاع المطروح أمامه، حتى في الوضع الذي يتعذر فيه وجود نص قانوني أو تنظيمي أو إتفاقي، وذلك تحت طائلة إعتبار القاضي مقترفا لجريمة إنكار العدالة.

• المصادر التفسيرية: تتميز قواعد قانون العمل بذاتية مصدرها، وواقعية أحكامها، ومرد هذه الميزة أن هذه القواعد تعود في غالبيتها إلى إرادة أطراف علاقة العمل، مما ترتب عنه ظهور فئة من المصادر غير الرسمية، أي غير التي ينشؤها القانون أو السلطات الرسمية في الدولة، وتتمثل هذه المصادر في ما يلي:


  • العرف والعادات المهنية: لقد أعطى للعرف في مجال قانون العمل أهمية بالغة، بل أن الكثير من الأحكام القانونية في هذا المجال يعود مصدرها المادي إلى العرف والعادات المهنية، ومن هذه الأحكام ممارسة الحق النقابي، حق العامل في التعويض عن الإنهاء التعسفي، الحق في مهلة الإخطار، والحق في الإجازة المدفوعة الأجر.

  • الإتفاقيات الجماعية: وتدعى عقد العمل الجماعي، وهي إتفاق تنظم بمقتضاه شروط العمل وظروفه، بين العمال من جهة ممثلين بمنظمة نقابية، أو مندوبي المستخدمين، وبين صاحب العمل أو منظمات أصحاب العمل من جهة ثانية، ويشترط في هذا الإتفاق أن يضمن ظروف ومزايا عمل أفضل من تلك المقررة في التشريع، تحت طائلة بطلان الإتفاقية، وهذا ما يفهم من نص المادة 114 من قانون علاقات العمل المعدل والمتمم، وتمكن إستقلالية الاتفاقية الجماعية عن الهيئات الرسمية في الدولة، وإقرارها بالتفاوض بين العمال وأرباب العمل من اكتساب أهمية كبيرة من حيث تقبل أطراف علاقة العمل لأحكامها، كونها مستقاة من إرادتهم، كما أن الاتفاقيات الجماعية غالبا ما تمنح العمال مزايا أكثر من تلك التي يمنحها القانون.

  • النظام الداخلي: يلعب الفقه في مجال قانون العمل الدور ذاته الذي يلعبه في غيره من فروع القانون، إذ أنه يمد المشرع في الكثير من الحالات بالأفكار والدراسات والتحاليل التي قد تمكنه من وضع الحلول القانونية لمختلف الإشكالات التي قد تطرأ على عالم الشغل، وقد كان للفقه هذا الدور عند دعوته إلى إستبدال فكرة عقد العمل بإصطلاح علاقة العمل، تحت مبرر الأثر المتعاظم للتدخل التشريعي في مجال الشغل، والإبتعاد تدريجيا من المفهوم التعاقدي المستند على سلطان الإرادة.

2. المصادر الدولية: تتشابه ظروف الطبقة العاملة في مختلف دول العالم، الأمر الذي نجم عنه تقارب أحكام قانون العمل في مختلف الأنظمة التشريعية في العالم، ومما زاد في هذا التقارب هو ظهور مجهودات المنظمات ذات الطابع الدولي، تركزت حول محاولة توحيد أحكام قانون العمل على المستوى الدولي، من خلال صياغة إتفاقيات دولية متعددة الأطراف؛ إن أهم المنظمات التي يمكن التطرق إليها في هذا المجال هما:

 المنظمة الدولية للعمل: أنشئت المنظمة الدولية للعمل بمقتضى معاهدة فرساي لسنة 1919، التي أبرمت بعد إنقضاء الحرب العالمية الأولى، حيث اتفق الموقعون على الإتفاقية بمقتضى ما ورد في مقدمتها على إنشاء منظمة دولية دائمة لتحقيق العدل الإجتماعي بما يدعم الأمن والسلام العالميين، وذلك من خلال تحسين الظروف الإجتماعية للعمال، وتنظيم ساعات العمل، ووضع حد أقصى لساعات العمل اليومية والأسبوعية، وحماية العمال من الأمراض المهنية، وحوادث العمل.

لقد وضعت منظمة العمل الدولية العديد من الإتفاقيات، شملت مختلف جوانب علاقة العمل، منها على الخصوص: الإتفاقية رقم 10 لسنة 1948 الخاصة بتحديد الحد الأدنى لساعات العمل، الإتفاقية رقم 87 لسنة 1948 الخاصة بالحرية النقابية، والإتفاقية رقم 14 لسنة 1924 الخاصة بالراحة الأسبوعية.

• المنظمة العربية للعمل: أنشئت المنظمة العربية للعمل سنة 1971 كهيئة تابعة لجامعة الدول العربية، قصد النهوض بقضايا العمل العربية على إختلاف أشكالها ومواضيعها، مما يخدم قطاع العمل في البلاد العربية، ومن بين إنجازاتها إقرار الإتفاقية العربية للحريات النقابية لسنة 1977.

تكتسي الإتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل رئيس الجمهورية أهمية بالغة، بإعتبارها تلي الدستور من حيث سموها بصريح نص المادة 132 من الدستور الجزائري، والتي جاء فيها: "الإتفاقيات التي صادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في القانون تسمو على القانون"، وهذا ما يكسبها أهمية بالغة، لاسيما وأن الدولة الجزائرية قد إعتمدت غالبية الإتفاقيات الدولية المبرمة في هذا المجال.
google-playkhamsatmostaqltradent