نبدة مختصرة عن البحث العلمي:
1. تعريف البحث العلمي:
إن تعريف البحث العلمي يتحدد من خلال الربط بين معنى كلمة (البحث) ومعنى كلمة (العلم)؛ حيث يتم تعريف البحث العلمي على أنه:
"إستخدام العقل وبذل الجهد الذهني المنظم حول مجموعة من المسائل أو القضايا المحددة، من خلال التفتيش والتقصي عن المبادئ أو العلاقات التي تربط بينها، وصولاً إلى الحقيقة التي تنبني عليها أفضل الحلول لها".
كما يعرف البحث العلمي على أنه: "التقصي المنظم من خلال إتباع أساليب ومناهج علمية محددة للحقائق العلمية، بقصد التأكد من صحتها أو تعديلها أو إضافة الجديد لها".
ولابد في هذا المجال من بيان الفرق بين العلم والمعرفة، فإذا كان العلم يهدف إلى الوصول إلى المعرفة، إلا أن ثمة فارقاً بينهما، فالمعرفة أكثر سعة وشمولاً من العلم، ذلك أنها تتضمن معارف علمية وأخرى غير علمية، أما العلم فلا يشمل سوى المعارف العلمية التي تم الحصول عليها بالأسلوب العلمي.
فالعلم هو طريقة منظمة للحصول على المعرفة، تتبع فيها قواعد المنهج العلمي وخطواته، أما المعرفة فيتم الحصول عليها بشكل تلقائي، أو بالصدفة البحتة، ودون إتباع أي أسلوب أو منهج علمي.
2. أنواع البحث العلمي:
البحث العلمي ينقسم تبعاً لطبيعة العلم التي يجرى عليها، فهنالك أبحاث تتعلق بالعلوم الطبيعية وأخرى تتعلق بالعلوم الإنسانية.
- أبحاث العلوم التطبيقية: تعتبر هذه البحوث علمية وتطبيقية في آن معاً أي أن أهميتها الأساسية تنبع من صلاحيتها للتطبيق وهو ما يعود على المجتمع بالنفع الكبير، فهذه البحوث هي التي تؤدي إلى تطوير الصناعات المختلفة في الدول وتعتمد هذه البحوث على المنهج التجريبي والذي يقوم على الملاحظة وفرض الفروض والتحقق من صحتها، ثم تطبيق نتائجها على المجالات المختلفة، ومن أهم المجالات هذه أبحاث الكيمياء والفيزياء والهندسة والطب والزراعة وغيرها.
- أبحاث العلوم الإنسانية: تعد هذه البحوث بحوثاً نظرية وليست عملية، إلا أن ذلك لا يقلل من أهميتها أو قابليتها للتطبيق وتعمل هذه في مجال الفلسفة والمنطق وعلم الإجتماع والتاريخ والأدب واللغة والقانون؛ وتهدف هذه البحوث إلى تعميق المعرفة وتبسيطها للإنسان حتى يستطيع الإستفادة منها في جوانب الحياة المختلفة، ويحتل كلا النوعين من هذه البحوث أهمية كبيرة في حياة الشعوب والدول حيث أن التقدم في أحدها دون الآخر لا يؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوة في نهضة المجتمع.
3. مناهج البحث العلمي:
المنهج في مجال البحث العلمي هو مجموعة الخطوات التي يجب إتباعها للوصول إلى هدف محدد، أو لإكتشاف الحقيقة؛ وعليه فإن على الباحث أن يسلك منهجاً معيناً في بحثه يسير على هداه ويلزم نفسه به طيلة هذا البحث، حيث أن ذلك يساعده على إنجاز البحث بشكل منظم.
وكلما كان منهج البحث واضحاً ومحدداً كلما كان البحث دقيقاً ونتائجه أقرب للصواب، وبالنظر لأهمية المنهج العلمي في البحث فقد ظهر في هذا الشأن علم متخصص هو "علم المناهج" الذي يمكن الباحث من سلوك السبل التي توصله إلى الحقيقة.
هذا ولابد من الإشارة إلى أن مناهج البحث العلمي تختلف بإختلاف العلوم، حيث هناك مناهج تصلح للعلوم الطبيعية، وأخرى تصلح للعلوم الإنسانية؛ وفي ما يلي سنذكر بعض أهم هذه المناهج التبعة في البحث القانوني على سبيل المثال:
1.3 المنهج الموضوعي:
يعد من أهم المناهج البحثية المتبعة من قبل الباحثين، بإعتبار أن أتباعه يؤدي بنا للوصول إلى نتائج حقيقية غير مضللة؛ ويقصد بالمنهج الموضوعي أن يكون الباحث موضوعياً في بحثه غير متحيز، يتناول مشكلة البحث في حياد تام، ويكون هدفه الأساسي هو الوصول إلى الحقيقة، وإعلانها على الملأ كما هي دون تحريف، حتى وإن كانت هذه الحقيقة غير متفقة مع أفكاره وميوله الشخصية.
فإتباع المنهج الموضوعي في البحث يجعل الباحث محايداً ومنزها عن الهوى الذاتي، فيتجرد من أفكاره ومعتقداته الشخصية، ويبتعد عن أي مؤثر خارجي، ويعتمد في بحثه على الأساليب العلمية البحتة التي تقوده إلى الحقيقة المؤيدة بالحجج والأسانيد الواقعية، إما إذا تأثر الباحث بأفكاره ومعتقداته الشخصية فسوف يصل إلى نتائج مضللة وغير دقيقة.
2.3 المنهج التأصيلي (الإستقرائي):
يسمى هذا المنهج بالمنهج التجريبي ويعنى هذا الأسلوب بإستقراء الأجزاء ليستدل منها على حقائق تعمم على الكل بإعتبار أن ما يسري على الجزء يسرى على الكل (فجوهر المنهج الإستقرائي هو الإنتقال من الجزئيات إلى الكليات أو من الخاص إلى العام) فمثلاً يقوم الباحث بدراسة المسائل القانونية الجزئية أو الفرعية المتشابهة دراسة معمقة وذلك بغرض الكشف عن القاسم المشترك بينها، من خلال الربط بين العلة والمعلول، أو بين السبب والمسبب.
ثم يخلص من ذلك إلى وضع قاعدة عامة أو نظرية عامة تحكم هذه المسائل، ولعل أهم مجالات هذا المنهج البحث تتمثل في إستقراء إتجاهات أحكام القضاء في موضوع معين لبيان القاعدة العامة التي تحكم الموضوع، مثال ذلك إستقرار أحكام القضاء الإداري المتعلقة بالرقابة على أعمال الإدارة، أو أحكام القضاء المتعلقة بفكرة الرقابة على دستورية القوانين.
3.3 المنهج الإستنباطي (التحليلي):
هذا المنهج هو على عكس المنهج التأصيلي (الإستقرائي) الذي بيناه سابقاً، حيث أن المنهج الإستنباطي يبدأ من الحقائق الكلية لينتهي إلى الحقائق الجزئية، أي من العام إلى الخاص؛ فالباحث عندما يسلك هذا المنهج البحثي ينطلق من قاعدة عامة ليقوم بتطبيقها على الحالات الخاصة أو الفردية.
مثال ذلك أن يستند الباحث في مجال القانون الجنائي إلى قواعده العامة ليرى مدى إمكانية تطبيقها على الظواهر الإجرامية الحديثة مثل الإرهاب، وخطف الطائرات، وغسيل الأموال، وجرائم الإعتداء على برامج الكمبيوتر.
ولابد من الإشارة إلى عدم إمكانية القول بإنعدام الصلة بين المنهج التأصيلي والمنهج التحليلي، ذلك أن كلاً منهما يكمل الآخر، فإذا كان المنهج التأصيلي هو الطريق نحو تكوين القواعد العامة، فإن المنهج التحليلي هو الطريق نحو تطبيق هذه القواعد على الحالات الفردية لإختبار مدى فعاليتها وصلاحيتها، لذلك فإن الباحث في مجال القانون يستعين بكلا المنهجين عادة لأعداد بحثه.
4.3 المنهج المقارن:
هو المنهج الذي يعتمده الباحث مثلا للقيام بالمقارنة بين قانونه الوطني وقانون أو عدة قوانين أجنبية أو أي نظام قانوني آخر، كالشريعة الإسلامية، وذلك لبيان أوجه الإختلاف أو الإتفاق بينهما فيما يتعلق بالمسألة القانونية محل البحث، بهدف التوصل إلى أفضل حل لهذه المسألة.
ويحتل منهج البحث المقارن أهمية خاصة في مجال الدراسات القانونية، حيث انه يمكن الباحث من الإطلاع على تجارب النظم القانونية الأخرى، ومقارنتها بالنظم الوطنية، مما يمكنه من الكشف عن أوجه الإتفاق أو الإختلاف أو القصور بين هذه النظم، ومن ثم يستطيع الباحث أن يضع أمام المشرع أفضل الحلول ليستعين بها إذا ما أراد أن يعدل القوانين القائمة أو يضع قوانين جديدة.
وقد يعتمد الباحث منهج المقارنة الأفقية الذي يقوم على بحث المسألة في كل قانون على حدة، بحيث لا يعرض لموقف القانون الآخر حتى ينتهي من بحث المسألة في القانون الأول، أما إذا إعتمد الباحث منهج المقارنة الرأسية، فإنه يتناول كل جزئية من جزئيات البحث في كل القوانين التي يقارن بينها في آن واحد؛ ويمكن القول أن منهج المقارنة الرأسي أفضل من الأفقي لأنه يبعدنا عن التكرار وتقطيع أوصال البحث، إضافة إلى إنه يؤدي إلى حسن وسهولة إدراك أوجه الإختلاف أو الإتفاق بين القوانين التي تتم المقارنة بينها.
5.3 المنهج التاريخي:
يعتمد هذا المنهج البحثي على دراسة المسألة محل البحث في القوانين القديمة من أجل فهم حقيقتها في القانون المعاصر، فإعتماد هذا المنهج يساعد الباحث على فهم الحاضر من خلال دراسة وملاحظة الماضي.
فعندما يتناول الباحث القانوني موضوع الوكالة مثلاً كأحد أنواع العقود، يبدأ بحثه بدراسة التطور التاريخي لفكرة الوكالة في النظم القانونية القديمة لكي يتوصل إلى التطور الذي رافق هذا الموضوع إلى أن وصل إلى التنظيم القانوني الحالي له؛ بل أن القضاء قد يلجأ إلى المنهج التاريخي للوقوف على حقيقة النص القانوني الواجب التطبيق على النزاع.