recent
أخبار ساخنة

ما هي عوامل التغير الإجتماعي؟

ما هي عوامل التغير الإجتماعي؟

1. العوامل الذاتية:

تشير الذاتية لكل ما هو شخصي أي نابع من محض إرادة الفرد أو الجماعة أو في علاقة الفرد بمحيطه، وما يكتسبه من معارف وخبرات وإعتمادها من خلال وعيه لواقعه ومشاركته الإجتماعية لإشباع حاجاته الفكرية والإجتماعية وفق الإطار العقائدي والتنظيمي الذي تراه الأجدر والأنسب، ويمكنه حصر العوامل الذاتية في العامل الإيديولوجي والعامل الإجتماعي:

1.1 العامل الإيديولوجي:

يشير لفظ الإيديولوجيا لغة إلى علم الأفكار، وتعرف الإيديولوجيا على أنها نسق متكامل ومترابط من الأفكار والتصورات التي يشكلها الإنسان عن واقعه وفق قناعاته ومعتقداته وحتى منهجه في الحياة، وهذا ما نلتمسه في شعار سقراط "إعرف نفسك كإنسان وإتبع الإله".

وهو الشعار الذي يعبر عن الصراع بين الحكمة والإعتدال من جانب والمعرفة والمنهجية من جانب أخر والذي يمكن أن نكتشف منه مدى محورية الإنسان في الحياة الإجتماعية بحيث رجح العقل وإعتبره العامل الحاسم والمرجح الذي ترد إليه الأمور فتجده باحثا عن الحقيقة في العقول مستعينا بحكمة الشعراء والخطباء السياسيين وخبرة الحرفيين.

ويرى أفلاطون أن الأفكار نهائية وكونية والإيديولوجية هي الخواطر العقلية التي تترجم من خلال الكلمات غير أن جوهر الكون والمثل العليا التي تقاس بها فيترك للعقل وحده للحكم على مدى مطابقتها للنماذج الكونية الأولى والمثل الأزلية والقصد أن الأفكار أزلية لا تقبل التغير والتبدل، وقد سبق وأن أشرنا لهذا الآخر من خلال فكرة الثبات في المحور الأول وكيف تطورت الإيديولوجيا المثالية.

وفي المقابل كان لـ كارل ماركس الدور الأبرز من حيث الإهتمام بالموضوع والذي عرف الإيديولوجيا على أنها "التعبير العقلي أو الفكري الذي يعكس النظام الإجتماعي والمحدد تاريخيا من جملة من المصالح الإجتماعية ضمن وضع أو موقف معين، وفي ذات السياق يؤكد ماركس على أن "السمة الأساسية للأيديولوجيا هي أنها إنتاج فكري وثقافي وتتبع الطبقة الحاكمة وأن الإيديولوجيا أمر نسبي يتغير تبعا للظروف والأحوال من جيل إلى جيل".

2.1 العامل السياسي:

إن العلاقة بين الإيديولوجيا والسياسة خط رقيق فاصل بين الإثنين من دونه تتداخل الأمور ولا يمكن التمييز بينهما، إنه عادة ما ينظر للسياسة على أنها الجانب العملي والتطبيقي للإيديولوجيا على إعتبار أن كل نظام سياسي يتبنى إيديولوجيا معينة، ويشير مفهوم السياسة إلى "مجموعة الإجراءات والطرق والأساليب الخاصة لإيجاد القرارات من أجل تنظيم الحياة الإجتماعية في شتى المجتمعات البشرية بحيث تدرس أليات خلق التوافق بين كافة التوجهات الإنسانية والدينية والإقتصادية والإجتماعية".

إن الوظيفة التنظيمية للسياسة هي النظم السياسية المختلفة ذاتها وهي ظاهرة إجتماعية مرتبطة بالبنى الإجتماعية والثقافية لمختلف المجتمعات البشرية وسيرورتها التاريخية ودرجة الوعي فيها، لقد عرفت النظم السياسية عبر تاريخها الطويل تطورات عديدة. 

وتعد الثورتين الفرنسية 1789 والروسية 1917 محطتين هامتين في هذا المجال لما لهما من تأثيرات تنظيمية بإعتبارهما نابعتين من إيديولوجيتين أسستا نظامين متباينين بإعتبارهما مصدرين من مصادر التشريع الوضعي والتنظيم السياسي والإجتماعي والممارسة السياسية والمشاركة في الحياة الإجتماعية ولو عن طريق إنتخاب الممثلين في مختلف المجالس للحد من طغيان السلطة الحاكمة وضمان حقوق المواطنة...إلخ.

لقد بات واضحا أن الإيديولوجيا والسياسة تشترطان ضمنيا التباين والإختلاف وهذا ما يتجلى في توجهات الأحزاب السياسية ومناهضة بعضها للسلطة الحاكمة أو ما يسمى بالمعارضة السياسية، ويبدو ذلك ظاهرة صحية من حيث المشاركة والحد من القوانين الجائرة وقد يتعدى التباين والإختلاف إلى نشوء حركات إجتماعية على أساس فكري عقائدي، عمّالي أو على أساس طائفي أو عرقي.

تعتبر الأحزاب السياسية والحركات الإجتماعية من التنظيمات التي من شأنها إحداث التغير، ولنا في الشواهد التاريخية العديد من الأمثلة ولعلَّ أهمها الحركات العمالية العالمية وحركات التحرر في آسيا، إفريقيا وأمريكا اللاتينية والحركة النسوية العالمية وحركات الخُضر، غير أن ذلك قد تشوبه العديد من العقبات خاصة ما تعلق بالإختراقات من قبل أجهزة المخابرات ومحاولات السيطرة وتوجيه هذه الحركات في إطار الصراعات الإيديولوجية أو من قبل جماعات الضغط المحلية، الإقليمية أو الإمبريالية العالمية.

2. العوامل الموضوعية:

تتمثل العوامل الموضوعية في (العامل البيئي، العامل البيولوجي، العامل الديموغرافي، العامل التكنولوجي، العوامل الثقافية، العامل الإقتصادي).

1.2 العامل البيئي أو الجغرافي:

تعني العوامل الجغرافية تلك العوامل الطبيعية المتعلقة بالبيئة من حيث الموقع والخصائص المميزة من حيث المناخ وطبيعة الأرضي والتضاريسي وخصوبة التربة وما تتميز به الطبيعة من موارد وخامات فوقية كانت أو تحتية.

ولقت البيئة إهتمام العديد من المفكرين لما لها من تأثير قوي على الإنسان لدرجة أصبحت عنوان للرخاء والرفاهية الإجتماعية لما تجود به من خيرات من شأنها إشباع الحاجات المادية وتحقيق الإكتفاء ما يتيح لهم الإهتمام بأمور أخرى. 

إذ لاحظ إبن خلدون أن للموقع والمكان أهمية قصوى في حياة البشر والأمم، وخصص لذلك جزءً في مقدمته وإعتبر أن المكان والموقع كان الفاعل الأساسي في قيام أغلبية الحضارات الإنسانية وخير دليل على ذلك أنها تواجدت في الشريط الجغرافي الذي يتوسط الكرة الأرضية والذي يتميز بمناخه المعتدل ووفرة المياه وخصوبة الأراضي... إلخ.

إن العلاقة بين الموارد الطبيعية والوفرة والرخاء الإقتصادي وتتضح أكثر عند إكتشاف الخامات المعدنية الثمينة والتي تذرُّ أموالا كثيرة وإستثمارات كبيرة تترتب عليها تطورات في المجالات الإجتماعية المختلفة، ولنا في إكتشاف آبار النفط في مناطق عديدة خير مثال على ذلك.

أما الآن فلم يعد ينظر للبيئة في معناها الكلاسيكي بنفس الإهتمام، بحيث تراجع تأثيرها في جوانب عديدة أمام التطور التكنولوجي كما أصبحت أهميتها الإقتصادية أمرًا مسلّما به.

إنه أمام التطور الإقتصادي والصناعي الحاصل وإنتقال الحياة الإجتماعية من الأرياف وتمركزها في المدن أو ما يعرف بالظاهرة الحضرية، إتجه الإهتمام إلى إلقاء الضوء على البيئة الجديدة ممثلة في الحياة الحضرية وإنعاكاساتها على ساكنة المدن والبناء الإجتماعي الحضري بإعتباره مجالا للتغير الإجتماعي.

يعتبر "جورج زيمل" أول من تناول موضوع الثقافة الحضرية في قوله "فلسفة المال" والذي إستنبط فيه خصائص الحضرية من منطلقات إجتماعية محضة وإعتبر "الفردانية" الخاصية الأساسية للمجتمعات الحضرية والتي إعتبرها نتاجا لظاهرة التصنيع والعمل المأجور.

وحدد "لويس ويرث" خصائص الحضرية في الحجم، الكثافة واللاتجانس وإعتبرها متغيرات إيكولوجية من شأنها التأثير على سلوكات الأفراد وتغيرات على طبيعة الحياة الحضرية، أما رواد الإيكولوجيا فقد حاولوا تفسير بعض الظواهر الحضرية في ضوء المتغيرات المكانية والجوانب والدينامية للمدينة تفسيرًا بيولوجيًّا.

وعلى غرار باقي الكائنات الحية في علاقاتها المكانية من حيث عمليات التكيف مع البيئة الحضرية، توزع السكان ومراحل التآلف والتوافق المادي والإجتماعي في داخل المحيط الحضري لتصبح الإيكولوجيا بعد ذلك مرادفا للعلاقة بين المجتمع البشري والمكان الذي يحتله بمعنى تأثيرات المجال الحضري بالمفهوم المعاصر للبيئة.

2.2 العامل البيولوجي:

دون الخوض في عمق نظرية البيولوجية والحذر من السقوط في معنى النظرية العنصرية فإن للعوامل البيولوجية دورا لا يخفى في التغير الإجتماعي ويتجلى ذلك في الفروق في ما بين السلالات البشرية، وعلى الرغم من أن الإنسان يشترك في نفس الخصائص والصفات من حيث الشكل أي أنه قد يختلف فيها من حيث حدة ودرجة مضمونها.

هذا الإختلاف الذي قد نجده داخل الأسرة الواحدة نميز أنه يلاحظ بشكل كبير في ما بين السلالات البشرية ويتعدى هذا التفاوت الجوانب الجسمانية بحيث يمكن ملاحظته في الجوانب السلوكية والإنفعالية، الميل إلى الراحة أو المثابرة في العمل...إلخ.

كما قد يكون للوراثة دورًا كبيرًا في التباين بين الجماعات الإنسانية بحيث يولي علماء البيولوجيا إهتمامًا كبيرًا للموضوع وعادةً ما يحاولون ربطه بالنواحي البيئية.

3.2 العامل الديموغرافي:

يشير مفهوم الديموغرافيا إلى تلك الصورة التي تميز المجتمع من حيث عدد السكان، كثافتهم وتمركزهم وكذا نسبة المواليد والوفيات، النوع، معدلات العمر، عدد الأسر، ومتوسط أفراد الأسر...الخ، تولي هذه المؤشرات الديموغرافية بأهمية بالغة وهي أداة لقياس درجة النمو والتي على أساسها تحدد توقعات ومتطلبات المجتمع الإشباعية الحالية والمستقبلية، وتؤكد المعطيات الواقعية أن الإختلال بين هذه المؤشرات له وقعه على المجتمع سلبًا أو إيجابًا. 

إن الزيادة المفرطة في عدد السكان قد تؤدي إلى عدم القدرة على إشباع حاجات فئات واسعة من المجتمع في السكن، التعليم والصحة وقد ينجرّ عن ذلك العديد من المشكلات الإجتماعية وقد تؤدي إلى إرتفاع معدلات الهجرة الداخلية والخارجية، الأمر الذي قد ينعكس على القيم الإجتماعية وتفكك العلاقات الإجتماعية.

في المقابل، إن النمو المخطط والذي يتلائم وقدرات المجتمع المادية يكون له الأمر الايجابي على أن العمل هو أساس كل الثروات، وبالتالي فإن إرتفاع بنية العمالة في المجتمع يؤدي إلى إرتفاع القيمة المضافة للإقتصاد القومي أو المنتوج الوطني الخام.

وبالمقارنة فإن المؤشرات الإحصائية للسكان من حيث الحجم ترتبط إرتباطًا وثيقًا بعملية الإشباع خاصة ما يتعلق بوفرة الغذاء، إذ تشير الشواهد التاريخية أن التطور الحاصل في أوروبا راجع بالدرجة الأولى إلى التراكم الإقطاعي وأن النمو السريع أو ما يسمى بالإنفجار السكاني يعزى لمجموعة من المعطيات الواقعية التي أحدثت تغيرات كبيرة على حجم وكثافة السكان والتي تتمثل في: إرتفاع معدل الولادة مقارنة بمعدل الوفيات، وفرة الغذاء، ظهور التكنولوجيا وتوسع نطاق إستخدامها ولو بطريقة تقليدية، تطور وسائل النقل والمواصلات.

وفي نفس السياق تشير التقديرات المتعلقة بالنمو السكاني أن عدد سكان أوروبا مضاعف خلال 95 سنة في الفترة الممتدة من 1805 الى 1900 وتضاعف ثانية خلال 80 سنة في الفترة المحصورة ما بين 1850 و 1930 بالرغم من تأثيرات الحرب العالمية الأولى؛ إن من منطلق محورية الإنسان وإدراكه لواقعه وتطلعاته فإن الفاعل الأساسي في إحداث التغيير إذا حسن إستعماله في خدمة قضايا مجتمعه.

4.2 العامل التكنولوجي:

يقترن تطور المجتمع الإنساني بتطور الأدوات والألات التي يستعملها الإنسان في حياته جراء إكتشاف الخامات وتطويرها لتسهيل حياته في صراعه مع الطبيعة بهدف إشباع حاجاته.

إن الإنسان بإعتباره الكائن العاقل المفكر هو الوحيد من المخلوقات الذي بإمكانه إنتاج الأشياء، وإذا كانت الفلسفة والفن هي أهم منجزات الماضي. 

فأن التكنولوجيا وبدون منازع هي أهم منجزات إنسان العصر الحاضر، والتكنولوجيا في الأصل كلمة يونانية مركبة وتعني علم التقنية وهي من، صناعة وإبتكار وتختلف عن الصناعة كعملية تجرى في المصانع وإنما عملية إستخدام العمل النظري في مجالات عملية عديدة ومختلفة.

تعرِف الموسوعة الفلسفية السوفييتية للتكنولوجيا بأنها "مجموع الآلات والآليات وأنظمة ووسائل السيطرة والتخزين ونقل الطاقة والمعلومات، كل تلك التي تخلق لأغراض الإنتاج والبحث والحرب ...إلخ.

بناءً على هذا التعريف يمكن القول بأن التكنولوجيا هي البحث النظري وإيجاد الحلول التطبيقية اللازمة في مجالات الحياة المستعصية ربحا للوقت والجهد وتحقيق نتائج وأهداف محددة ...إلخ.

مما لا شك فيه أن مسار تطور المجتمع الإنساني إنما يمر من البسيط إلى المعقد وهو مسار يتطلب دومًا إهتمام أكبر بمختلف العلوم وكلما تعقد أكثر تزايد الطلب على التقنية بإعتبارها الوسيلة الفعالة للتطور الصناعي خاصة في ظل المنافسة الرأسمالية والسباق نحو التسلح، والتفوق الإعلامي بهدف السيطرة والهيمنة العالمية، وأصبحت المعلومة سبقا وسلعة مجتمع المعرفة وتكنولوجيات ووسائل الإتصال والإعلام الحديث وسائلا للترويج والتسويق على نطاق واسع.

ومن منطلق التراكم المعرفي والخبرة في إستخدام التكنولوجيا فإن درجة التغير في المجتمعات المتطورة صناعيا تكون دون شك أسرع وأكثر سلاسة منها في المجتمعات النامية، بل على العكس من ذلك فإن التكنولوجيا تشكل عائقًا أمام مسعى التنمية نظَرًا لإفتقار هذه المجتمعات للخبرة الكافية لمثل هذه الإستخدامات التكنولوجية في المجالات الإقتصادية والإجتماعية المختلفة.

5.2 العامل الثقافي:

سبق وأن أشرنا عن مناقشتنا لكيفية حدوث التغير، أين أكدنا على أن بداية أي تحول تكون نتيجة الإبتكار أو الإنتشار الثقافي ومن منطلق الشمولية، فإن الثقافة وبإختصار شديد هي مجموع الخبرات والتجارب المكتسبة والموروثة عبر الأجيال عن طريق الإنتقال، لكل مجتمع ثقافة تميزه عن غيره من المجتمعات.

إنه ضمن هذا الإطار يلاحظ أن ثمة شعوب تتميز برصيد معرفي وثقافة عريقة، إلا أن واقع الحال يفيد بأنها على درجة بسيطة من التطور وعليه وحسب هذا الطرح لا يمكنه إعتبار الثقافة عاملا من عوامل التغير بل قد يكون عاملا معطِّلًا لحدوثه وهو أمر يبدو سلبي من الناحية المنطقية والواقعية.

إن الإجابة على هذا الأشكال قد تكون في ذات تفسيرًا عن قيام وحدوث التغير في أماكن ومجتمعات دون غيرها. ويمكنه إرجاع ذلك إلى طبيعة الثقافة نفسها وهذا ما نلتمسه في نتائج الدراسة الأنثروبولوجية لـ "ر.بينيديكت" و "مرغريت ميد" واللتان توصلتا من خلالها إلى وجود نمطين من الثقافات: 

الثقافة المنفتحة (وهي تلك التي بإمكانها التأثير والتأثر)، الثقافة المنغلقة (وهي الثقافة المتقوقعة حول ذاتها والتي ترفض التواصل والتفاعل مع الآخرين وبالقياس تكون الثقافة المنفتحة أكثر تقبلا للتغيير)، هذا إذا نظرنا للتغيير من زاوية الإنتشار الثقافي.

أما إذا نظرنا للتغيير من زاوية الإبتكار المادي والذي تتقاطع من خلاله التصورات الماركسية من خلال العلاقة بين الإنسان بإعتباره كائنا ثقافيا والمحيط المادي والإحتكاك الدائم مع الطبيعة وتسخيرها لإشباع حاجاته والصراع بين البناء الفوقي والبناء التحتي من جهة. 

ونظرة وليام أوجبرن للثقافة المادية ومدى قدرتها على الإبنتكار التكنولوجي الذي يرى فيه المحرك الأساسي للمجتمع البشري والعامل الأساسي في عملية التغيير، فإن ذلك يعتبر عجزًا ثقافيًا وعدم قدرة المجتمع على تخطي بعض عوائق الثقافة التقليدية أو التشاؤم من كل ما هو جديد في ضوء الثقافة المهيمنة على عقول البشر والتي تغذيها الموروثات الثقافية الرثة.

إن تناولي للموضوع ومن هذا بحيث التصور إنما لأثير وضعنا الذي يتطابق تماما وهذا الطرح بحيث نمجد أنفسنا من خلال ماضينا ولا نربط فيه مستقبلنا بحاضرنا والذي يعتبر عجزًا في عقولنا وعدم قدرتنا على التكيف مع محيطنا المادي والإنساني والذي يتطلب ثورة فكرية لإزالة الجمود الذي يلف عقولنا والإنفتاح على المستقبل عوض التكرار وإعادة الإنتاج لنفسه، وهذا ما دأب عليه الطنطاوي من الكواكب وعبره إلى مالك بن نبي الجابري ومحمد أركون.

6.2 العامل الإقتصادي:

في تناوله للموضوع الإقتصادي، إستعمل إبن خلدون مفهوم المعاش وطرق إكتسابه لا يعني بأن الإنسان يختلف عن سائر المخلوقات لما له من قدرات تؤهله لأن يسعى في الأرض ويعتبر من وضعه وظروفه عن طريق الكسب.

وضمن هذا التصور فإن الإقتصاد يتمحور أولا حول إشباع الحاجات الأساسية للإنسان وكذلك في الكيفيات التي من خلالها تتم عملية الإشباع هذه على إعتبار إرتباط الكسب بالطبيعة الإنسانية.

في ذات السياق فإن العمل الأول الذي يقوم به الإنسان هو التفاعل مع بعض بهدف الإنتاج المادي كشرط ضروري لضمان بقائه وإستمراريته في الحياة الأمر الذي يتطلب عملية الإشباع وهذه العملية هي القاعدة التي تقوم عليها أوجه الحياة الأخرى التي تتبنى على أنها من العمل كنشاط وإجتماعي واعي.

وعليه فإن علاقة الإنسان بالبيئة الطبيعية وما تزخر به من موارد فإن عملية الإنتاج تتطلب نوعًا من العلاقات والتنظيم الإجتماعي، كما تفترض عملية الإنتاج توفر حد من الموارد والأدوات والوسائل والتجهيزات الضرورية.

بناءً على هذه المقدمة فإن النشاط الإقتصادي لا يتوقف على عملية الإشباع الأساسية وإنما يقترن بطبيعة الظروف المادية والإنسانية والتي هي في تطور دائم ومستمر كونها مرتبطة بتطور وتنامي الحاجات الإنسانية ذاتها والتي تفترض وجود وفرة وتنوع في المنتجات...إلخ.

والوفرة هي أساس التراكم المادي الذي أدى إلى تغير المجتمعات الأوروبية من الإقطاع إلى الرأس مالية، وتحول النشاط الإقتصادي من الأرياف نحو المدن وظهور التصنيع الذي أحدث ثورة إقتصادية كبيرة وما صاحبها من تأثيرات عميقة وواضحة على مستوى الإنساق الإجتماعية والثقافية.

وبالإضافة لما يشتمل عليه العامل الإقتصادي على شكل وطبيعة الإنتاج، الملكية، طرق التخزين، التوزيع، الإستهلاك وتوفير كل ما تتطلبه هذه العملية من موارد، أدوات ووسائل الإنتاج والتسويق، فقد فرض التقسيم الإجتماعي ظهور التخصص من حيث طبيعة النشاط والإنتاج وحتى داخل السلسلة الإنتاجية الواحدة والذي ضاعف من القدرات الإنتاجية وسمح بالتوجه نحو الإنتاج على نطاق واسع.

خلاصة، وفي ضوء تلازم الظواهر الإجتماعية فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الإقرار بأحادية العامل الحاسم وإنما بتعددية العوامل على إعتبار أن ظاهرة التغير هي إحدى العمليات الإجتماعية المعقدة التي تتجلى في أبعادها المادية، الإجتماعية والفكرية مجتمعة، غير أنه وفي ضوء تباين هذه الأبعاد الكبرى فإن الحسم يكون حسب ظروف ومقدرات كل مجتمع، والذي يشترط ويتطلب باقي الأبعاد بعواملها المختلفة.
google-playkhamsatmostaqltradent