recent
أخبار ساخنة

ما هي أثار الفساد الإداري والمالي؟

أثار الفساد المالي والإداري:

ما هي أثار الفساد الإداري والمالي؟
إن للفساد الإداري والمالي العديد من الآثار المختلفة التي تشمل عدت مجالات، وفي هذا المقال سنتطرق إلى تأثير الفساد الإداري والمالي من الجانب الإقتصادي، الإجتماعي والسياسي.

1. الأثار الإقتصادية:


ويتجلى تأثير الفساد من خلال:

1. تخفيض معدلات الإستثمار: 

أثبتت دراسات عديدة حول الفساد الإداري والمالي مدى تأثيره السلبي في النمو الإقتصادي، وذلك من خلال تأثيره في معدلات الإستثمار التي تميل نحو الإنخفاض سواء تعلق الأمر بالإستثمار المحلي أو الإستثمار الأجنبي (المباشر وغير المباشر). 

وتشير هذه الدراسات إلى وجود علاقة عكسية بين معدلات الإستثمار ومعدلات إنتشار الفساد في البلد، حيث كلما إرتفع معدل الفساد في أي دولة، كلما أدى ذلك إلى تراجع معدلات الإستثمار.

وتفسير هذه العلاقة بسيط جدا، يبحث المستثمر الأجنبي تحديدا عن فرص للنجاح والريادة، وتحقيق عوائد، وذلك مرتبط بتوفر ظروف ملائمة (إقتصادية، إجتماعية وسياسية). 

وبقدر رداءة هذه الظروف بقدر ما يحجم المستثمر عن الإستثمار في البلد المعني؛ وتؤكد التقارير الصادرة عن البنك الدولي في مجال مناخ الأعمال حول العالم تلك العلاقة بشكل أبسط.

وتخضع تأثيرات الفساد إلى ما يدعى ﺑ (مضاعف الفساد) أسوة بما يسمى بمضاعف الإستثمار الذي قدمه الإقتصادي البريطاني (كينز)، إذ يعتمد الآلية نفسها التي يخضع لها مضاعف الإستثمار، فهو يولد السلسلة نفسها في الآثار المتتابعة. 

إذ أن الزيادة الأولية في حجم الإستثمار تنتج عنها سلسلة من الزيادات المتلاحقة في الدخل القومي بحيث أن كل موجة من موجات الإنفاق تولد مزيدا من الإنفاق في سلسلة لا نهائية من الزيادات يضعف حجمها تدريجيا حتى ينتهي الأثر تماما في نهاية السلسلة.

والعبرة هنا ليست بالزيادة الأولية التي تطرأ على الدخل القومي بل بالسلسلة الطويلة من الإنفاقات المتتالية المترتبة على الزيادة الأولية في حجم الإستثمار؛ وعلى هذا المنوال نجد أن مضاعف الفساد يشير إلى مقدار الزيادة النهائية في دخول الأفراد الناتجة عن زيادة أولية معينة في حجم العمولات والرشاوى ومدفوعات السمسرة.

2. تشوه بنية الإنفاق الحكومي: 

هي القناة الثانية التي يؤثر فيها الفساد على النمو الإقتصادي، حيث تشير الدراسات النظرية والتطبيقية إلى أن مشاريع الإستثمار في القطاع العام تهيئ الفرص الثمينة للمسؤول الحكومي في الحصول على الرشوة الضخمة.

لذا فإن الحكومات التي يتغلغل فيها الفساد تكون أكثر ميلا إلى توجيه نفقاتها نحو المشروعات التي يسهل جني الرشوة فيها وإخفائها وذلك لصعوبة تحديد سعرها في السوق أو لأن إنتاجها أو شراءها يتم من قبل مؤسسات محدودة كمشروعات البنية التحتية، الإنفاق العسكري وغيرها؛ في حين يقل إنفاقها على خدمات التعليم والصحة.

إن التأثير الذي يتركه الفساد الإداري والمالي المستشري على مستوى كبار المسؤولين يتعدى مجال خسائر الإستثمار العام وضياع الدخل في الميزانية العامة؛ فكبار المسؤولين قد يختارون مشاريع ويعقدون صفقات تفتقر إلى المنطقية والجدوى الإقتصادية. 

حيث يحبذ الحكام الفاسدون الإستثمارات الرأسمالية الحكومية أكبر من أي نوع آخر من النفقات الحكومية وخاصة في الدول الأكثر فسادا حيث يقل إنفاق الأموال على الأعمال والصيانة، لذا تنخفض نوعية البنى التحتية التي تمتلكها هذه الدول.

كما ويفضلون الإستثمار الحكومي على الإستثمار الخاص، وهم غالبا ما يدعمون المشاريع ذات القيمة الضئيلة في دفع عجلة الإقتصاد نحو التطور، إذ وجد في إيطاليا أن العديد من مشاريع الإنشاء قد تم إساءة تقديرها ورفع تسعيرها ولم يكن لها أية فائدة إقتصادية سوى في حدود قدرتها على إفراز الرشاوي والمكاسب الشخصية.

3. تفاقم عجز الموازنة العامة: 

يعمل الفساد على تقليل الإيرادات ويزيد من النفقات العامة، وذلك من خلال التهرب الضريبي غير المشروع أو الحصول على إعفاءات ضريبية غير مشروعة، كما يزيد من تكلفة بناء وتشغيل المشروعات العامة مما يؤثر سلبا على الموازنة العامة للدولة. 

حيث تقل الإيرادات الضريبية نتيجة التهرب فتضعف بذلك قدرة الحكومة على تمويل الإستثمارات اللازمة للتنمية، كما يضعف من فاعلية الضريبة كأداة لتوجيه النشاط الإقتصادي، وكبح جماح الإستهلاك ومحاربة التضخم وغيرها.

وبذلك لا تستطيع الحكومة ممارسة السياسة السليمة وتزداد حدة مشكلة العجز، إذا ما تم تمويله من خلال الجهاز المصرفي إذ يولد معه تضخما وعدم إستقرار إقتصادي وإجتماعي الأمر الذي يعيق النمو الإقتصادي ويجعل التنمية تتباطأ إن لم يتسبب في إنتكاسها.

4. ضعف كفاءة المرافق العامة ونوعيتها: 

يعمل الفساد على تقليل نوعية المرافق العامة وكفاءتها، وذلك عندما يتم إرساء العطاءات بصورة فاسدة لأنه سيؤدي إلى منح عقود الأشغال العامة إلى مؤسسات أقل كفاءة لكنها قادرة على دفع الرشاوى فيقلل بذلك من نوعية وكفاءة الخدمات العامة، ولا يحفز المشروعات الإنتاجية والتحويلية على الإستفادة من وفورات الحجم الناتجة عن هذه المشروعات والنمو الإقتصادي الناجم عنها.

2. الأثار الإجتماعية:


يظهر أثر الفساد المالي والإداري على الجانب الإجتماعي من خلال التأثير على:

1. الصحة (الموارد البشرية في قطاع الصحة): 

والتي تشمل:

  • إستخدام عمالة غير مؤهلة للعمل في هذا المجال أو عمالة عالية التكلفة وتقاعس العاملين.

  • الدواء ويشمل عدم إستخدام الأدوية البديلة بالقدر الكافي، والإرتفاع المفرط في أسعار الأدوية، وإستخدام أدوية دون المستوى ومقلدة، وعدم إستخدام الأدوية بطريقة ملائمة وفعالة.

  • المستشفيات، وتشمل فرط إستخدام التقنيات العلاجية مرتفعة التكلفة (كالتصوير بالرنين المغناطيسي)، وحجم المستشفيات غير الملائم، والأخطاء الطبية، وتدني جودة خدمات الرعاية الصحية عن المستوى الأمثل.

  • إهدار الموارد والفساد والإحتيال، وعدم كفاءة وملائمة مزيج العلاجات المقدمة، وبالتصدي لأوجه عدم الكفاءة تلك يمكن تخفيض مجموع الإنفاق على الصحة بأكثر من (40%) في المتوسط.

كما تقر منظمة الصحة العالمية، أن ثلث المستشفيات والعيادات الطبية في الدول النامية لا يوجد بها مكان يمكن للعاملين أن يغسلوا أيديهم بالصابون، وأن حوالي (40%) من المستشفيات لا يوجد بها مصدر للمياه النظيفة. 

وتضيف المنظمة، أن نصف مليون رضيع يموتون كل عام قبل أن يتموا شهرهم الأول بسبب نقص المياه النظيفة، والإفتقار إلى صرف صحي آمن.

وحسب المنظمة، فإنه بالإمكان تفادي أو منع وفاة (20%) من هؤلاء الرضع إذا أتيح لهم الإغتسال بالماء النظيف، وإعتنى بهم أشخاص يغسلون أيديهم بالصابون في بيئة نظيفة وآمنة.

2. التعليم: 

تقر منظمة الشفافية الدولية أن الفساد في التعليم يأخذ عدة مسارات:

✓ فيما يرتبط بالمدارس (مراحل التعليم قبل الجامعي): ضمن هذا الجانب، قد يتخذ الفساد المنافذ التالية:

  • مسألة المشتريات الحكومية بمجال الإنشاءات بالمدارس ضمن ما يسمى ﺑ "المدارس الوهمية" (هناك مزاعم بوجود ما يناهز ثمانية آلاف مدرسة من هذا النوع في باكستان وحدها) وتشتيت للموارد المخصصة للكتب المدرسية والإمدادات الخاصة بالتعليم.
  • الرشوة من أجل دخول سلك التعليم وشراء الدرجات.
  • المحسوبية في تعيينات المعلمين والدبلومات المزيفة.
  • إساءة إستخدام المنح الدراسية في تحقيق ربح خاص.
  • التعليم الخصوصي في أماكن التعليم الرسمية...الخ.

✓ فيما يرتبط بمؤسسات التعليم العالي: قد ينطوي على بعض الجوانب التي تشهدها مراحل التعليم الأخرى لكن هناك بعض الأشكال المميزة للفساد في التعليم العالي على غرار:

  • المدفوعات غير المشروعة أثناء عمليات الإلتحاق بمؤسسات التعليم العالي وضمن إجراءات القبول.
  • المحسوبية في إعطاء مناصب القائمين بالتعليم، والرشوة في الإسكان الجامعي ومنح الدرجات.
  • التأثير السياسي وتأثير الشركات بغير وجه حق على البحوث.
  • سرقة البحوث ونسبها إلى غير مؤلفيها، والمؤلفين الأشباح.
  • الفساد في الإعتراف بالدرجات العلمية في التعليم العابر للحدود ...الخ.

هذه الجوانب تسهم بشكل كبير في تدهور المردود المعرفي الذي يعتمد عليه إقتصاد الدولة، ويحملها تكاليف باهظة تتعدى المجالات العلمية، لتشمل جميع المجالات الإقتصادية، الإجتماعية، السياسية والقانونية. 

بما يؤدي إلى مستقبل مجهول لأجيال ذنبها الوحيد أنها كانت ضحية حزم فساد طال كل شيء مرتبط بالتعليم، سواء بتشييد المؤسسات التعليمية، أو إنجاز البحوث العلمية، أو تزوير الشهادات، أو تكوين المؤطرين...الخ.

3. مستويات الدخل والفقر: 

إن وجه الدلالة للعلاقة القائمة بين الفقر والفساد، يمكن إستنتاجها من عدة جوانب:

  • ضعف معدلات الإستثمار، يقوض أسس النمو ويؤدي إلى ضعف خلق الوظائف ما ينتج عنه إنتشار البطالة، ومن ثم تراجع الدخل الذي يؤشر لمستوى مرتفع من الفقر.
يضعف الفساد قدرة الحكومات على صياغة سياسات إقتصادية متزنة ومرنة تستجيب لطموحات أفراد المجتمع على قدر كاف من العدالة والمساواة، وهذا ما يولد طبقية مفرطة جدا في المجتمع (غنية جدا وفقيرة جدا). وتعطي الهند نموذجا حيا حول التفاوت الطبقي الشديد، الذي خلق فجوة كبيرة بين السكان.

وإستنادا إلى الطبقات الإقتصادية الخمس التي حددتها منظمة العمل الدولية، إرتفع عدد الناس المنتمين للطبقات الوسطى العاملة - أي الذين يعيشون على أكثر من (04) دولارات في اليوم الواحد- خلال الفترة (1990-2015)، ويشكل سكان هذه المجموعة نحو نصف القوى العاملة في المناطق النامية.

لقد ساهم الفساد بشكل كبير في تعزيز الطبقية في دول عديدة حتى وإن أنكرت الدول النامية ذلك، وأضعف قدرة هذه الدول على جذب الإستثمارات مما وسع من دائرة البطالة ما نتج عنه تراجع مستويات الدخول وإنتشار الفقر.

ورغم أن تقرير الألفية الإنمائية، يؤشر إلى تحسن عام في جانب التخفيض من الفقر المدقع إلا أن هناك تفاوتا كبيرا بين الأقاليم خاصة تلك التي تشهد نزاعات وحروب مستمرة، ويبقى الطموح قائما من أجل الوصول إلى عالم آمن من الفقر والجوع بحلول عام 2030، وستكون محاربة الفساد في جل القطاعات أحد المنافذ الرئيسة لتحقيق ذلك.

3. الأثار السياسية:


يخلف الفساد أثارا سلبية على النظام السياسي بأكمله سواء من حيث شرعيته أو إستقراره أو سمعته، وذلك كما يلي:

  • يؤثر على مدى تمتع النظام بـ الديموقراطية وقدرته على إحترام حقوق المواطنين الأساسية، وفي مقدمتها المساواة وتكافؤ الفرص وحرية الوصول إلى المعلومات وحرية الإعلام، كما يحد من شفافية النظام وإنفتاحه.
  • يؤدي إلى حالة يتم فيها إتخاذ القرارات حتى المصيرية منها طبقا لمصالح شخصية، ودون مراعاة المصالح العامة.
  • يقود إلى الصراعات الكبيرة إذا ما تعارضت المصالح بين مجموعات مختلفة، وخلق جو من النفاق السياسي كنتيجة لشراء الولاءات السياسية.
  • إضعاف المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز دور المؤسسات التقليدية، وهو ما يحول دون وجود حياة ديموقراطية.

وتشير جل المعطيات الصادرة عن أغلب الدول التي تشهد فسادا مرتفعا إلى مدى تأثر بيئتها السياسية بهذا الجانب، وفي نهاية الأمر فإن العلاقة القائمة بين الفساد والنظام السياسي هي علاقة تبادلية، كما سبق الإشارة إليه، حيث أن البيئة السياسية بمكوناتها المختلفة قد تكون مساهما رئيسيا في إنتشار الفساد، وبالمثل قد يؤدي الفساد إلى التأثير في النظام السياسي من جميع النواحي.

لقد ساهم الفساد بشكل كبير في تراجع أداء المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدول العربية عامة في ظل تضارب الغايات وإعلاء المصالح الشخصية على حساب المصالح العامة، وساهم في تصاعد المد الديكتاتوري حتى لو قيل عكس ذلك.

وتوضح التجربة القطرية مع دول الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية تلك العلاقة التبادلية بين الفساد والنظام السياسي والتي طبعتها بشكل موثق المصالح القطرية والعلاقات الخارجية على حساب نظم التعاون والنزاهة المعتادة بين الدول الأطراف.

كما أن الفساد أغذق على النظام السياسي في الضفة الغربية حتى جعله غير قادر على إنصاف سكان قطاع غزة، وإعطاءهم أبسط حقوقهم على غرار الحق في مياه شرب مأمونة ونظيفة، الحق في الكهرباء...إلخ. 
google-playkhamsatmostaqltradent