لا يمكن لأية أمة من الأمم أن تعي حاضرها وتخطط لمستقبلها ما لم تعد إلى تاريخها، للوقوف على الإنجازات والإخفاقات وإدراك عوامل ذلك، ومن هنا كان ولا بد على الشعوب أن تهتم بتاريخها أولا، وتطلع على تاريخ الشعوب الأخرى، وتعمل على أخد العبر والدروس تفاديا لكل ما من شأنه أن يضر بحاضرها ويعرض مستقبلها للخطر. في هذا المقال سوف نتطرق إلي تعريف التاريخ، والفرق بينه وبين التأريخ، وعلاقة التاريخ بالعلوم الأخرى.
1. تعريف التاريخ:
- تعريف إبن خلدون: عرف التاريخ في مقدمته الشهيرة على أنه "... في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى... وفي باطنه نظر وتحقيق وتعديل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق...".
- تعريف كولينغود: عرف التاريخ على النحو التالي: "التاريخ هو الماضي الذي يقوم المؤرخ بدراسته، لكن هذا الماضي ليس ميتا، ولكنه بمعنى ما ماضي لا يزال يعيش في الحاضر ..."؛ وبهذا الفهم يكون كولينغوود قريب في رؤيته لعلم التاريخ من رؤية Paul Veynne للتاريخ حيث يرى أن التاريخ هو نشاط عقلي يقوم به المؤرخ، فهو ماضي يحييه المؤرخ ويستحضره.
- أما هيغل فيرى فقال أن التاريخ "هو عملية عقلية منظمة وخلاقة لظهور قيم جديدة" ... لكن التاريخ ليس الماضي والحاضر فقط بل إنه المستقبل أيضا، مستقبل الإنسانية الحرة ... ومن هنا يرى هيغل أن تاريخ الإنسان هو تاريخ التقدم البشري، كما أنه يمثل مراحل نمو العقل الحر للإنسان عبر الزمان.
من خلال ما سبق يمكننا أن نعرف التاريخ على أنه تسخير لتجـارب الماضي والإستفادة منها حاضرا ومستقبلا.
2. الفرق بين التاريخ والتأريخ:
التاريخ علم يدرس مسيرة البشرية منـذ نشأتها حتى الوقت الحاضر في جميع الميادين الإقتصادية، الإجتماعيـة، الثقافية، الدينية... إلخ.
أما التأريخ: فهو عبارة عن تدوين لمجرى الأحداث زمانا ومكانا. ويوجد نوعين من التأريخ:
- التاريخ الميلادي: نسبة إلى ميلاد عيسى عليه السلام ، ينقسم إلى تقـويم يولياني وتقويم غريغوري والفارق بينهما 13 يومـا (نسبة إلـى غريغوريوس الثالث عشر الذي إعتمد التقويم الغريغوري في عام 1582م).
- التاريخ الهجري: نسبة إلى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، والذي تعتمده الشعوب الإسلامية.
3. علاقة التاريخ بالعلوم الأخرى:
كل العلوم تعتبر علوما مساعدة للتاريخ، وذلك لطبيعة التاريخ نفسه كعلم يتناول النشاط الإنساني كافـة، فكـل العلوم إذن في خدمة التاريخ.
- اللغة: تعتبر اللغة من أهم العلوم التي ينبغي أن يتزود بها الباحث فـي التاريخ، فلابد أولا من معرفة اللغة الأصلية الخاصة بالموضوع التـاريخي المراد بحثه والكتابة عنه.
- الفيلولوجيا (Philology): فقه اللغة من العلوم المساعدة الضرورية لدراسة فروع كثيرة من التاريخ وكلما بعد العصر الذي هو موضوع الدرس إزدادت أهمية الفيلولوجيا.
- علم قراءة الخطوط (Paléography): من العلوم الأساسية لدراسة نواحي كثيرة من التاريخ منذ أقدم العصور حتـى آزمان متأخرة. تتضح أهمية علم قراءة الخطوط في فروع عديدة مثل تاريخ مصر القديم، تاريخ بلاد العرب قبل الإسلام، تاريخ اليونان، تاريخ العصور الوسطى... الخ.
- علم الوثائق أو علم الدبلومات (Diplomatics): هي الكتابات الرسمية مثل الأوامر، القرارات، المعاهدات، الإتفاقيات، المراسلات السياسية والكتابات التي تتناول مسائل الإقتضاء أو التجارة فينبغي على دارس التاريخ أن يتعلم الأسلوب والمصطلحات الخاصة بوثائق العصر الذي يعنيه.
- علم النميات أو النومات: أي علم النقود والمسكوكات وهي من العلوم الهامة في دراسة نواح من التاريخ؛ فالعملة بما تحمله مـن صـور الآلهـة، وصور الملوك والأمراء وأسمائهم تقدم للباحثين مادة تاريخية قيمة.
- الجغرافيـا: تعتبـر مـن الـعلـوم الـضرورية المساعدة لدراسـة التاريخ، والإرتباط وثيقا بين التاريخ والجغرافيا فالأرض هي المسرح الـذي حدثت عليه وقائع التاريخ.
- الإقتصاد: مثال: كثيرا من الهجرات الجماعية عبر التاريخ. لا يمكـن تفسيرها إلا تفسيرا إقتصاديا مثل تحركات القبائل العربية عبر رمال الجزيرة الواسعة كانت في كثير من الأحيان بحثا عن الأكل والماء... الخ.
- علم النفس: ركز بعض المؤرخين على العواطف البشرية مـن حـب وكره، ويقظة وحلم في تسيير أحداث التاريخ ومـن التحليلات مـا ذكـره المؤرخون عن تأثير مسلك جوز يفين زوجة نابليون على قراراته.
- علم الآثار: الأدوات التي خلفها الإنسان يعتمدها المؤرخ للتعرف على نمط معيشة الإنسان ومعتقده... الخ.
- الآداب: إن التـاريخ كعلـم أصـبـح مـصدرا لكثيـر مـن الأعمـال الأدبيـة، بالإضـافة إلـى علم الإجتماع، فلسـفة، الدين، الرسم الموسيقى...الخ؛ وبهذا نستنتج أن كل العلوم في خدمة التاريخ.
4. المصادر التاريخية:
عندما نذكر علم التاريخ نذكر على الفور.
- الوثائق: الوثيقة هي أرقى أنواع المصادر، ولكن الوثائق درجات وأنواع:
- وثائق من الطراز الأول: هي تلك الكتابة أو المـستند أو الخطـاب أو المكتـوب أو المعـاملات الرسمية التي لم يرد بها كاتبها أن تكون شاهدا على التاريخ. مثال: (عقود البيع والشراء والإيجار، عقود الزواج والوفيات، التقارير السرية، كشوف الحسابات).
- وثائق التاريخ الحديث: المنشورة أو غير المنشورة. من ناحية القيمة الأكاديمية تعتبر الوثائق غير المنشورة أكثـر أهميـة وتعطي البحث التاريخي قيمته العلمية.
- وثائق التاريخ الإسلامي: وثائق كل عصر تاريخي لها طبيعتها الخاصة من حيث مادة الكتابة وأداتها، في التاريخ الإسلامي معظم الوثائق الأصلية غير موجودة لذلك الحكم على المؤرخين العرب متوقف على مدى ثقتنا في المؤلف.
- المسكوكات: هي النقود أو العملة التي تعتبر كمصدر مـن مـصادر التاريخ، لذا ينصح دائما الباحث بمراجعة قوائم النقود المنشورة في العـصر الذي يؤرخ له.
- الآثار: مثلها مثل الوثائق والمسكوكات تتميز بأنهـا فـي كثيـر مـن الأحيان لم يقصد بها منشأها، أو بأنها تكون شاهدا على التـاريخ. فبالنـسبة للتاريخ القديم يعتمد إعتمادا يكاد يكون كليا على الآثار. مثل: الأهرامات في مصر، حدائق بابل المعلقة في العـراق، قـانون حمورابي.